مقالات متنوعة

خالد حسن كسلا : رحـــــــل!!


> حتى شعراء الجاهلية كانوا يتذكرون «الرحيل» من الدنيا.. ويذكرونه في أشعارهم.. وقد ذكره قبل الإسلام بقليل الشاعر عمرو بن كلثوم في معلقته، حيث قال:
إن اليوم رهط.. وإن غداً
وبعد غد بما لا تعلمينا
وإنا سوف تدركنا المنايا
مقدرة لنا ومقدِّرينا
> لكن المنية حينما أدركت العالم العلامة الجليل.. داعية التوحيد وزعيم دعاته في السودان فضيلة الشيخ أبو زيد محمد حمزة.. فقد أدركته وهو إمام لدعوة التوحيد. وهو قائد للتربية والتصفية.
> فهل رحل شيخ أبو زيد؟!
> نعم رحل.
> هل انتهت الرحلة الأولى؟!
> نعم انتهت.
> لكنها كانت «نعم الرحلة».
> رحلة داخل رحلة.. داخل رحلة الدنيا.. فهي رحلة من الله وإلى الله.
> «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين».
> صدق الله العظيم. «ومن أصدق من الله حديثاً»؟ «ومن أصدق من الله قيلاً».
> ورحلة العمر للشيخ «أبو زيد» كانت رحلة دعوة.. وأي دعوة؟!. «دعوة التوحيد». في قارة كهذي. وإذا كان الإمام المجدد الشيخ أبو زيد قد أفنى عمره منذ سن الرابعة عشرة في خدمة دعوة التوحيد ليتوَّج خادماً لدعوة التوحيد في افريقيا.. فإن كتاب الله يطرح علينا سؤالاً عظيماً: «ومن أحسن عملاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين»؟.
> «التوحيد» الذي كان شيخ أبو زيد أحد دعاته يبقى أول كلمة وآخر كلمة إنها «لا إله إلا الله». وسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت وصيته هي أن أول ما يدعى إليه الناس هي كلمة «لا إله إلا الله».
> لكن بماذا يمكن أن نرثي «شيخ أبو زيد»؟! هل بما قاله الشاعر أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثان
> وذكرى «شيخ أبو زيد» وذكره هذا الإنتاج الدعوى العظيم.. الذي تجسَّد اكتظاظاً للدعاة في الميادين الدعوية والمساجد وفي مشروع الطالب الداعية في كليات الطب والهندسة والصيدلة وغيرها في مختلف الجامعات السودانية.. وكلنا نعرف «قائمة الإصلاح».
> الإصلاح خلاف التغيير.. الإصلاح يكون إلى الأحسن والتغيير يكون إلى الأسوأ. «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
> فقد كان شيخ أبو زيد أحد أبرز قادة «إصلاح» العقيدة بعد «تغييرها» بتأثيرات ومؤثرات المتآمرين من الفرس واحتلال الأوروبيين لبلدان المسلمين.
> وآثار التآمر التاريخي والاحتلال الأوروبي والإعلام العربي والصهيوني على عقيدة المسلمين تحتاج دائماً لأصحاب همم مثل الشيخ أبو زيد.. لا يؤثرون الحياة الدنيا وهم يعلمون أن الآخرة خير وأبقى. فزراعة الحلو والمر في الدنيا حصاده في الآخرة. ومن غرّته الحياة الدنيا وهو ينسى رحيله منها.. فقد «جنت على نفسها براقش».. ونسأل الله الهداية.
> وسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.. قد حسبها بدقة متناهية.. إذ كان يقول: «يا دنيا غرّي غيري». ومن تغره الدنيا هو من ينسى أنه سيرحل عنها.. أما من كان ملحداً فمشكلته في ذهنه.
> وهأنا ذا أكتب قبل الدفن.. قبل دفن جثمان الشيخ أبو زيد محمد حمزة.. فهل سيكون دفني متزامناً مع دفنه أو بعده بساعات أو أيام أو بضع سنين؟! لكن لا بد من الرحيل وإن طال العمر. وتبقى الصدقة الجارية خير باقٍ، ويأتي علينا حين من الدهر لم نكن شيئاً مذكوراً.
> الوداع يا شيخ أبو زيد.. لقد كتب الله أن نودّعك بالصلاة عليك، وإن كنا تمنينا أن تصلي أنت علينا، لكن الأجل.. الأجل.
> فقد كانت خيوط كفنك تنسج في الغيب وأنت حي بين ظهرانينا.. وكم كم خيوط تنسج الآن في الغيب وهي أكفاننا!!
> ولله ما أعطى وله ما أخذ، وكل شيء عنده لأجل مسمى.. والدوام لله وحده.. وما الدنيا إلا محطة عبور يعبرها الإنسان من الرحم إلى القبر.. ثم إلى الحساب والجزاء.
غداً نلتقي بإذن الله.