منى ابوزيد

في زراعة الناخب ..!


“إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد دينها” .. حديث نبوي ورد في المستدرك على الصحيحين للنيسابوري!
أذكركم ونفسي بتحري العدل وضبط المقاسات في “حياكة” إجابات نمطية على باترون الأسئلة التي وردت في مقال الأمس، وفقاً لمعيار المواطن السوداني العادي، الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وُيبَشِّر في الأعراس، ويُفاتِح في الأتراح، ويوقر الكبير وإن كان على خطأ، و”ينتهر” الصغير وإن كان على صواب، ويتبرع بالنصح الإجباري لكل عابر سبيل! .. الإجابة معلومة بطبيعة الحال وبظاهر المآل!
فـ الإرث الشفاهي للعلاقات الإنسانية في السودان يحمل مقداراً هائلاً من مفردات الاستبداد والاستعلاء والوصائية، والمبالغة في نقد الآخر لا لشيء إلا لأنه على نقيض، فضلاً عن التشكيك في قواه العقلية إذا لزم الأمر .. ومع ذلك يبقى التقليد هو البطل الشعبي الوحيد الذي لم يذق طعم الهزيمة في السودان ..!
هنالك من يقول “إن المسلمين لو تُركوا لتراثهم لما اكتشفوا الديمقراطية والنظام الدستوري”، ولما عكفوا على تشجيع الجمود والاستتباع بلا إنتاج معرفي حقيقي أو منجز سياسي يعول عليه في ساحات الحرية وميادين الديمقراطية ..!
لذلك أقول ـ بعد تمحيص الإجابة ـ إن تطوير مفهوم الحكم الرشيد في السودان يحتاج حساً براغماتياً في تقييم أزمات، ومطبات، وعلل، وأوجاع، ومزالق، ومهالك واقعنا المعاصر، وهذا يعني ـ من الآخر ـ أن نجتهد في زراعة الناخب قبل أن نشترك في صناعة الحاكم ..!
في نهايات القرن التاسع عشر ناقش بعض المثقفون في العالم الإسلامي مبدأ تأسيس نظام ديمقراطي حاكم على غرار الحكومات الغربية، وفكروا في مشروع قومي لتربية الشعوب سياسياً!، كمرحلة تسبق الإجابة على السؤال عن مدى أهليتهم للممارسة الديمقراطية ..!

بعد هؤلاء جاء آخرون اجتهدوا في تطوير المفهوم (بعد أن تكونت لديهم قناعة راسخة بعدم أهلية الشعوب العربـ سلامية، اجتماعياً وثقافياً، للخلاص من طبائع الاستبداد، دون أن يكون المخلص نفسه مستبداً يتحرى العدل والرأفة في تهشيم أضلاع الديمقراطية!)، فاشترطوا لنجاح الفكرة أن يكون الاستبداد العادل (المستنير) مجرد مرحلة مؤقتة، تنتهي عندما يتحقق الإصلاح السياسي والنهضة الاقتصادية ..!

هناك فرق ـ بطبيعة الحال ـ بين (التَغيُّر) و(التَغيير)، فالأول ينبع من ذات الشئ، والثاني يأتي خارجه، لذا فنجاح أي تحول ديمقراطي يعتمد على كون الديمقراطية مطلباً شعبياً وليس وسيلة جماهيرية، وبهذا المعنى يكون غياب الديمقراطية وحدها غير كافٍ لإحداث تحول، بدليل أن بعض أنظمة الحكم العربي تشهد استقراراً سياسياً لأن شعوبها تعيش في رفاهية ..!
من جهة أخرى قد تحاول بعض القوي السياسية الاستئثار بمكاسب التغيير على حساب الديمقراطية، وقد يتحول المتغيرون أنفسهم إلي طغاة وأباطرة بعد وصولهم إلي السلطة .. لذلك يبقى المعيار الحقيقي، بعيداً عن المسميات، هو نجاح السلطة ـ أي سلطة ـ في توفير الحقوق الإنسانية، والسياسية، والاقتصادية، في ظل تعايش ديني، وتعددية إثنية، وسلام مستدام ..!

(أرشيف الكاتبة)
هناك فرق – الرأي العام