عبد الجليل سليمان

مفاجأة اللا مفاجأة


قبل أن أقرأ التسريب الذي ورد بين ظهراني الزميلة (السياسي) أمس، عن ما أسمته بمفاجآت متوقعة في الحكومة الجديدة، أخذت نفساً عميقاً وتنهدت تنهيدة ساخنة، وحرصت حرصاً شديداً على رصد دقات قلبي وتشديد الرقابة على (خفقانه)، كي لا يُصاب بالسكتة جراء المفاجأة الداوية فيحملني إلى الرفيق الأعلى وأنا في ريعان شبابي فتنعاني الصحف وتعدد مآثري الحميدة وخصالي المجيدة، وتختم نعيها بإلحاقي بالشهداء والصديقين وتتمنى لهم رفقة حسنة بانضمامي إلى رهطهم المجيد.

فنجان القهوة بجانب (جك) الماء البارد، مؤشر المكيف على الـ(الهاي كول)، باب المكتب مغلق بإحكام. كل تلك الإجراءات من أجل هذه المفاجأة.

بسملت وحوقلت وتمتمت كثيراً، لكني ما أن ضربت بيديّ ورجليّ على لجة الخبر، ثم استغرقت في الغوص فيها حتى هالني الأمر حين اكتشفت أن المفاجأة هي أن (لا مفاجأة).

بالطبع، تعودنا نحن معشر (ناس قريعتي راحت) من عوام الشعب ورجرجته ودهمائه على أن لا نصدق أي حديث عن مفاجآت خاصة إذ كان منطلقاً ومنصلتاً كالسهم من ألسنة مسؤولي الحكومة الراهنة وحزبها. لكن ولأننا دأبنا على التعامل مع (كل شيء) حولنا بمبدأ افتراض حسن النية حتى يثبت الطرف الآخر سوءها، قلنا وما لنا عن الخبر معرضون؟، فتوجهنا إليه بكل حواسنا حتى أننا أخرجنا له قرني استشعارنا بعد أن كنا نخبئهما ليوم كريهة وسداد ثغر.

في واقع الأمر، ليس هنالك يوم كريهة أشد وطأة من هذا اليوم الذي قرأت فيه عن المفاجأة، والتي تكمن في أنه (لا مفاجأة) أصلاً.

أقرأوا معي حفظكم الله ورعاكم وأدخلكم فسيح جناته وظللكم بظله يوم لا ظل إلا ظله ولا استجارة إلا به. يقول الخبر: إن مصادر برلمانية أوشت ليومية السياسي بإمكانية ترشيح الحاج آدم يوسف رئيساً للبرلمان وشملت الترشيحات لذات المنصب والتي وصفت بالمفاجئة علي عثمان محمد طه وعيسى بشرى، والفاتح عزالدين، كما أن هنالك مفاجآت أخرى وعدتنا (السياسي) بنشرها لاحقاً.

على كلٍ فإن هذه الترشيحات الخاصة برئاسة المجلس ليس بها أي مفاجآت، هل الفاتح عزالدين مفاجأة؟ وما المفاجأة في تسمية علي وعيسى وغيرهما من الحرس القديم رؤساء للبرلمان؟

وبناءً على ذلك، أرجو من الزميلة السياسي، رجاء الزميل إلى (الزميلة) بل وأتوسل إلى مالكها ورئيس تحريرها الأستاذ الكبير (مصطفى أبي العزائم)، أن لا يكشف عن أي مفاجآت إذ كانت بذات دوي مفاجأة (البرلمان)، لأن الأمر سيجعل قلوب كثيرين تخفق بشدة، ثم ما أن يكتشفوا أنه ليست هناك أي مفاجأة حتى تتوقف قلوبهم، وهذا أسوأ أنواع الموت. (توفي في لحظة تحول فرحه العارم إلى حزن غامر).