عبد الباقي الظافر

وشبر في المقابر ..!!


قبل أيام دار جدل في الأواسط التونسية حول منح الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين جواز سفر مثله مثل كل التونسيين.. كثير من ادعياء الديمقراطية ومن سدنة النظام السابق بعد أن غيروا ملابسهم بعد الثورة لم يتحمسوا مع الحق الدستوري لرئيسهم السابق.. الشيخ راشد الغنوشي قال في هذا الصدد كلمات مؤثرة (عشنا عشرين عاما مطاردين من غير جواز سفر، كنت أتنقل بجواز سفر أممي، وكان يقع إيقافي في المطارات، ولا أريد أن يعيش غيري هكذا اليوم).. فرق الشيخ الراشد بين الحقوق العامة وبين المواقف السياسية.
قبل أيام كان الدكتور الفاتح عز الدين المنصور رئيس البرلمان يقف خطيبا في حشد من الناس.. المنصور قال إنهم سيسنون قوانين تمنع من يهاجم السودان في المحافل الدولية من حق الدفن في الأراضي السودانية.. ترددت أكثر من مرة قبل التعليق على هذا الموضوع وذلك بسبب حسن ظني في رئيس البرلمان ودرجته العلمية في الحقوق.. مضت أيام ولم يصدر تصريح أو تصويب من مولانا فلم يعد الصمت ممكنا.
المنصور ذكر هذا التصريح الصادم مصحوبا بوعد تتم فيه إجازة حزمة جديدة من التعديلات الدستورية.. أغلب التعديلات القادمة مثل السابقة تأتي خصما من الحقوق العامة والحريات.. لم يكتف المنصور بالمجزرة الدستورية التي حرمت المواطنين من الحق في اختيار حكام ولاياتهم.. جاء الرد الشعبي عبر المقاطعة الواسعة للانتخابات الأخيرة،
في تقديري كان من الأفضل أن يقوم المشرعون في البرلمان القادم بسن تشريعات تمنع ممارسات لا إنسانية.. بعض الحكومات الشمولية استنت سنة المقابر المجهولة لمعارضيها في الرأي.. حتى الآن تبحث أسرة المفكر محمود محمد طه عن قبر الراحل.. ذات المعاناة تواجه أبناء وبنات الضباط الذين شاركوا في انقلاب رمضان الشهير.. كان من واجب المنصور وزملائه الاتجاه نحو التصالح مع الماضي عبر إعادة تلك المحاكمات السياسية.. صحيح أن الإعادة لا تمثل إلا اعتبارا رمزيا لتلك الأسر لكن التصافي والتصالح يبدأ بهذه المراجعات.. وإن لم يكن ذلك ممكنا فمن أبسط الحقوق كشف هذه المقابر لأن هذا يدخل في حق آخرين لا علاقة لهم بالأحداث وربما كان بعضهم في المهد صبيا.
بصراحة.. يرتكب الشيخ الفاتح عز الدين وأقرانه في السلطة خطأ فادحا إن كانوا يظنون أن التأريخ سيتوقف في محطتهم هذه.. التأريخ يقول إن الإسلاميين هم أول من قاد معارضة مسلحة ضد السلطة القائمة في الخرطوم وذلك بتحريضهم ودعمهم لانتفاضة الجزيرة أبا ضد الرئيس جعفر نميري.. أما حركة يوليو ٧٦ التي تحركت بدعم ومؤازرة العقيد القذافي فقد شكّل أخوان الفاتح عز الدين لحم سداها،
رغم كل ذلك التأريخ لم يحرِّم على الإسلاميين العيش على التراب الوطني.. بل تسلل الإسلاميون إلى مفاصل السلطة حتى أصابوها كاملة قبل ربع قرن من الزمان.. لكن الفاتح وإخوته يريدون ملاحقة المعارضين حتى بعد أن يدخلوا المقابر.. هل هنالك درك من السوء أكثر من هذا؟.