داليا الياس

المفارق عينو قوية


منذ أشهر انقطع التيار الكهربائي في عموم القاهرة، فقامت الدنيا ولم تقعد، وثار الإعلام والشارع العام.. وسمعت كل المعمورة بذلك الانقطاع وتبعاته على اعتبار أنه حدث كبير لا يجوز حدوثه في العام 2015.. وراجت شائعات عن كونه عملاً تخريبياً منظماً وتمت محاسبة المسؤولين!! فما هو التبرير الذي ساقه لنا المعنيون عن الواقعة المشابهة التي كابدناها قبل يومين؟!
انقطع التيار الكهربائي في عموم السودان.. ولم يكبد أهل وزارة الكهرباء والسدود أنفسهم مشقة الخروج الفوري عبر أجهزة الإعلام للاعتذار والتوضيح!! إنهم يتوارون جميعاً خلف سد مروي الذي أعده خطأً تاريخياً فادحاً ستدفع ثمنه أجيال متتابعة.. وبينما يتجول السيد الوزير/ معتز موسى في شوارع ألمانيا الباردة كان الشعب السوداني يتلظى في جحيم الحر ويكابد الباعوض ويتذوق أطفاله وشيوخه ومرضاه الأمرين.. أما الحديث عن الخسائر المادية وتعطل دولاب عمل الكثيرين، فلا يعني أحد، ولا يندرج ضمن قائمة الخسائر!!
فهل عرفتم لماذا نظل أبداً مدرجين ضمن قائمة دول العالم الثالث رغم غنانا بالموارد؟! لأننا لا نحسن اختيار المعنيين.. ولا نضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. ولا نتخذ القرارات وفق دراسات تفصيلية بعيدة المدى.. ولا نفهم لغة الضمير والمسؤولية ولا.. ولا.. ولا.. !!
ثم نفترض ببساطة أن كل المواطنين سذج.. تبيع لهم الهيئة القومية للكهرباء عدادات الدفع المقدم بمبالغ طائلة ثم ترغمهم على دفع إيجار شهري على ذات العداد.. ويشترون الكهرباء عن طريق الدفع المقدم، ويتحكم غيرهم في كيفية وتوقيت استهلاكهم لها!! يتصلون برقم طوارئ الكهرباء فينتظرون دورهم على الخط طويلاً حتى ينفد الرصيد.. وإذا حالفهم الحظ وصادفوا رداً من موظف الاستعلامات وجدوه لا يعلم شيئاً، ويكتفي بترديد عبارات قصيرة جوفاء لينهي المكالمة فحسب!!
انقطع التيار من عموم السودان والهيئة تبرر ذلك عبر موظفي مركز خدمات المشتركين بأنه عطل في أحد توربينات سد مروي – كما ردد أحدهم على مسامعي مباشرة – فمنذ متى يستمد كل السودان تياره الكهربائي من سد مروي، وكيف كنا نستهلك الكهرباء قبل إنشائه الميمون؟ لماذا لا تملكوننا الحقائق وتعترفون بالقصور؟ أم أنه كذلك انقطاع عارض وغير مبرمج لأنه ليس هناك قطوعات مبرمجه مثلما صرح الوزير منذ أيام؟! ذلك الوزير الذي بدلاً من أن يحرص على ترك ذكرى طيبة وسيرة حسنه يحفظها له التاريخ في أيامه الوزارية الأخيره يظل يطلق التصريحات الغريبة التي تناقض الواقع ويتصرف كثور الخزف، فهل هو قلق المغادرة والخوف على الكرسي أم أنها (قوة العين) التي يتسم بها (المفارقون) الذين يمدون ألسنتهم لنا من تحت نسائم (الإسبيلت) ونحن نتصبب عرقاً ثم لا نجد حتى الماء الذي نغسل به الملح من على وجوهنا حتى نتذوق طعمه ونبتلع ريقنا مع غصة نائحة كوننا لا نعني أحداً ولا بغير كل ما نقوله ساكن؟ حسبنا الله ونعم الوكيل!!
تلويح:
(المفارق عينو قوية.. ولمبتنا مطفية).. ولا تزال ثقافة الاستقالات التي تحفظ ماء الوجه بعيدة عن مجالنا الكهرووزاري!!