منى ابوزيد

في ثقافة الاحتجاج ..!


“الحق يحتاج إلى رجلين: رجل ينطق به ورجل يفهمه” .. جبران خليل جبران!
احتجاجات أهالي الشجرة التي اندلعت قبل أيام بسبب قرار بيع أراضي الحماداب، انتهت ـ بحسب صحف الأمس ـ باستخدام الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، فاختنق الهتاف واندحر الشباب الملثمين، وهام المتفرقون على وجوههم في طرقات الحي الجانبية، وانتهت حكاية احتجاج شعبي عمرها ثلاثة أيام ..!
حكاية الشجرة إحدى حكايات الاحتجاج والمطالب الشعبية مبتورة النهايات، في العاصمة أحياناً وفي بعض الأقاليم والقرى حيناً، وكلها تلتقي عند مبدأ المطالبة بالحلول الرسمية العاجلة لمشكلات ـ ليست سياسية ـ ماعادت تداعياتها تحتمل جفاء البيروقراطية ومراوغة المعالجات ..!
في ولاية نهر النيل ـ قبل أعوام ـ أغلق السكان الطريق بين عطبرة وبربر بعد أن لقيت طالبة مصرعها في حادث سير وهي تحاول أن تعبر طريقاً يفتقر إلى أبسط المعالجات الفنية التي تحفظ أرواح الراجلين .. وفي مدينة حلفا الجديدة اعترض مواطنون موكب الوالي ـ قبل فترة ـ وأغلقوا الطريق بالحجارة احتجاحاً على إقالة المعتمد السابق .. وقبل هذا وذاك قتل مواطن وجرح بضعة عشر آخرون في محلية شرق النيل إثر اشتباكات بين الشرطة والأهالي بسبب نزاع على أرض سكنية منحتها الحكومة لشخصية من خارج المنطقة ..!
والجدير بالملاحظة أن معظم الأسباب لا علاقة مباشرة لها بالسياسة، لكن الناس كما قال علي ابن أبي طالب (من خوف الذل في ذل)، والحكومات كما أكد رونالد ريجان (تميل إلى عدم حل المشاكل، فهي تعيد ترتيبها فقط) لأنها تظن – والظن لا يغني من الحق شيئاً – أن الاعتصامات والمظاهرات لا تغير شيئاً، لكن الحقيقة غير ذلك، وأي احتجاج شعبي ضد أي تقصير سلطوي هو – اليوم – جزء من حراك إنساني عالمي نحو دمقرطة الاحتجاج وأنسنة السلطة ..!
لذلك نقول إن الحكومات الذكية هي التي تسعى إلى إدخال ثقافة الاحتجاج في موسوعة الأعراف الحميدة – على الأقل حتى تضمن موجبات بقائها، فالسلطة الواعية تشارك بنفسها في وضع قواعد ثقافة الاحتجاج الشعبي ـ تتبنى الحراك وتستثمر الرفض وتضع في حسبان بطانة مسئوليها أن المطالب الشعبية حق وليس تعدياً، وأن استيعابها واجب وليس تفضلاً – فالاحتجاج السلمي ليس سلوكا فوضويا بل ردة فعل منظمة تستعين ببعض الفوضى لحث السلطات على إعادة ترتيب المشكلة ..!
(هذا ليس بمالك ولا مال أبيك) هكذا جادل أحد الأعراب رسولنا الكريم في العطايا، وطالب آخر بالقصاص في إحدى الغزوات لأنه وخز صدره بقشّة، ولم يغضب منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في أمهات الكتب أنه عاقبهم، أو حتى أنكر عليهم حقهم في الاحتجاج .. وقد وضع بذلك خارطة طريق الحاكم في معاملة المحكوم – لمن جاء بعده – لا يزيغ عنها، ولا يضل بعدها إلا من أبى ..!

هناك فرق – الرأي العام
(أرشيف الكاتبة)