مكي المغربي

ملف الإعلام … قليل من الواقعية ..!


عندما يقال “ملف الإعلام ممزق” و فيه علل ومشكلات متوطنة، وغير ذلك من نقد أو جلد الذات في الجلسات الحكومية والرسمية والحزبية … والمهنية أيضا … يجب أن نضع في الحسبان أن هذه هي طبيعة الملف في كل الدنيا وأن الإعلام كمجال سيمضي قدما في هذا التمزق والبعثرة ولن يعبأ بمحاولات الإمساك التقليدية وسيفلت منها الواحدة تلو الأخرى ..!
بعض المحاولات قد تكون غير تقليدية ولكنها تطرح معايير مطلقة … وتحتاج إلى زمن حتى تتبلور في شكل قوانين ملزمة ودعوني أسوق لكم مثالا من خارج الحدود، وهو مبادرة الصحافة الأخلاقية التي طرحها الإتحاد الدولي للصحفيين في العام 2009، وهو منظمة كبيرة للغاية تتخذ من بروكسل مقرا لها ولديها علاقات متينة بالإتحاد الأوربي بسبب “التمويل والمنح”.
المهم أن عقلاء المهنة في أوربا اعترض دعاة المبادرة من الصحفيين الأوربيين على “الرسوم المسيئة” للرسول الكريم وللأديان عموما، وتصدوا لها على طريقتهم لأن الدساتير والقوانين هناك لا تنهض لفرض قيود جديدة على حرية التعبير، والمعركة بالنسبة لهم لو صارت قانونية ستكون خاسرة … فخاضوها أخلاقيا وفتحوا مسارا جديدا … هذا المسار صار الآن باب الحريق الخلفي للخروج من الأزمة … وستخرج به الحكومات الأوربية الواحدة تلو الأخرى لأن موضوع الأمن من الإرهاب صار هو العامل الأقوى في تحديد السياسات … كيف ومتى سيحدث هذا؟! هنالك سيناريوهات متوقعة للخروج وأكاد أراها رأي العين، وذلك لأن نبرة وتعامل صناع القرار هناك اختلفت وصارت “تفاوضية” و “إستفهامية” بعد أن كانت ناشفة وكلها على شاكلة … هذه حرية تعبير ويجب على الجميع إحترامها..!!
الحديث عن ملف الإعلام في كل مكان يولد أسئلة لا متناهية ويولد مشكلات عديدة، كل دولة بطريقتها وكل حضارة بمطباتها ومآزقها الفكرية والعقائدية، الموضوع ليس مشكلة سودانية أو “إنقاذية” هذه صداع مزمن وشامل لكل كوكب الأرض من القطب إلى القطب.
ملف الإعلام هو أوضح نموذج لما يعرف بـ : Cross-cutting issue
أو بالأحرى: Divergent Complex
على سبيل المثال، الصحافة الورقية، الأعمدة، الرأي، لديها دور أكبر من حجمها في إثارة القلق وإرباك حسابات السلطة في لحظة، وعندما تلجأ الحكومة للإجراءات الإستثنائية تظن أنها سلكت المنهج الرادع، ولكن – ببساطة – لو كان رادعا لما تجددت المخالفات، وتلك قصة طويلة ولكن من مشكلات الإجراءات الإستثنائية أن توفر للقيادة السياسية علاج مؤقت أو بنج موضعي يطيح بالمشكلة للحظات محدودة ويوقف الحلول المهنية والمنهجية ويجعل دعاتها مجرد “أفندية” و “منظراتية” لا قيمة لهم، وغالبا ما يتحولون إلى “مبرراتية” للإجراءات الإستثنائية.
المشكلة أن الإجراءات الإستثنائية لم تعد استثنائية، لقد صارت هي الأصل، وباتت المعالجات المهنية هي الاستثناء لأن تردد تنفيذ الأولى وفعاليتها “وإن كانت مؤقتة” أقوى من الثانية البطيئة والمملة والتي لم يتم تطويرها حتى الآن.
من جهة أخرى … موضوع “دمج الصحف” لا يتناسب مع مكونات النفسية السودانية وقلق المبدعين الذين يفضل الواحد منهم أن يحرس أطلال جريدة و”يتم الباقي إدعاءات” و “معارك ومساجلات” من أن ينخرط مع مجموعة في شراكة ذكية ولو كانت لمصلحته، وأنا أعتقد أنه له ألف حق في دورانه حول فلك ذاته، لأنه لن يعدم وزيرا حنونا أو مركز قوى يريد أن يصفي حساباته، يمنحه دورا مؤقتا بل ومعلومات وملفات.
الحكومة ذاتها بأبوابها الخلفية وعلاقاتها الشخصية التي هي أقوى في المجتمع السوداني من العلاقات الرسمية … هي جزء من المشكلة ومن العسير أن تطالب الحكومة أو القوى السياسية عموما “حكومة ومعارضة” المجتمع الصحفي بحل مشاكله وتنظر إليه نظرة المريض … مع أنه نال العدوى منها والتقط الفيروسات والطفيليات من معملها ذي الإنتاج النشط والمتجدد والغزير.
ادرسوا معالجة ملف الإعلام بواقعية واعتراف وتجرد … بغير انفعال وقلق وبدون أسلوب “نفض العقرب”، وهو التخلص من الذنب ونفضه ليسقط على ثياب شقي الحظ ويصبح هو المدان والملدوغ..!