د. ياسر محجوب الحسين

تحديات الجيش السوداني


نفي إسرائيل أو تأكيدها قصف أهداف في العمق السوداني لا يؤكد أو ينفي حقيقة ما جرى.. الجديد أن الخرطوم لم تتهم إسرائيل رسميا بما أعلنه الجيش السوداني عن اشتباهه نهاية الأسبوع المنصرم في وجود جسم متحرك -لم يحدده – شمالي أم درمان الواقعة في ولاية الخرطوم، وتصدي المضادات الأرضية له.. لكن الإذاعة الإسرائيلية العامة نفت ما لم تتهم به وقالت إن إسرائيل ليس لديها أي علم لها بإسقاط طائرة لها دون طيار بالعاصمة السودانية الخرطوم.
بيد أنه سبق أن اتهمت الخرطوم إسرائيل بمهاجمة مصنع للذخيرة جنوب الخرطوم في أكتوبر 2012 حيث وقع انفجار ضخم أدى إلى مقتل أربعة أشخاص واندلاع حريق هائل، كما ألحق أضرارا مادية كبيرة بمنازل في المنطقة ومناطق مجاورة.. كما اتهمت الخرطوم إسرائيل بشن غارة جوية في يونيو 2011 استهدفت سيارة في بورتسودان شرقي البلاد أدت إلى سقوط قتيلين.. وبلغت الهجمات المتهمة بها إسرائيل ثماني هجمات ضمن سلسلة أخذت تترى منذ العام 2009م.
ومثل كل مرة كان الغموض سيد الموقف فحالة من العجز التام انتابت الجهاز التنفيذي للدولة كما حدث إثر الغارة الإسرائيلية على المصنع الحربي.. هول المفاجأة شل تفكير كابينة قيادة الدولة حينذاك لنحو (18) ساعة من وقوع الهجوم.. وفي الحادث الأخير لم ترو التفسيرات التي ساقها المتحدث باسم الجيش بشأن الجسم الضوئي حسب وصفه، ظمأ المتابعون بشأن ماهية ذاك الجسم الذي وصفه بأنه استطلاعي وفضلا عن كيفية وصوله إلى سماوات العاصمة التي تعد عمقا استراتيجيا مهما.. الحادث وقع قبل منتصف الليل بساعة بينما صدر بيان الجيش الغامض في الرابعة مساء اليوم التالي.
البيان دفع خبراء وعسكريين للتساؤل عن الجسم المضيء، وعن سبب عدم الإفصاح عن هويته. كما أن البيان لم يشرح نوعية الهدف الذي تابعته قوات الجيش من دخول أرض السودان عبر حدوده الشرقية. وزاد البيان الأمر غموضا عندما وصف الأوضاع العامة بالمنطقة بأنها “مستقرة ولا يوجد ما يدعو للقلق، معلنا أن البحث لا يزال جاريا عن هوية الجسم المضيء، وأن الجيش في كامل اليقظة من أجل سلامة المواطن واستقرار البلاد”.
كل تلك الاختراقات تطرح تساؤلا مريرا عن مدى وحجم الفجوة الأمنية التي تهدد الأمن القومي السوداني في ظل علل عويصة تضرب الاستقرار السياسي الداخلي.. ولعل الأمر الأخطر أن تصاب مؤسسة الجيش بضعف يهدد ما بقي من كيان الدولة السودانية.. فإن كان هنالك حديث عن المؤسسات القومية، فلابد وأن يكون الجيش هو المؤسسة القومية رقم واحد.. فقد كانت هذه المؤسسة عبر تاريخ السودان محور الاستقرار السياسي والراعي لقومية وتماسك الإطار الجيوسياسي للدولة.. فلطالما لا يأمنن أحد من الزمان تقلبا فإن الجيش يظل الدرع الواقية من تقلبات السياسة الدولية وهمزات الأعداء.. إن كانت الإستراتيجية أمر عظيم وشمولي فلن نكون مبالغين إن زعمنا أن الجيش في كل قُطر مسألة إستراتيجية في حد ذاتها، وفي المحصلة تقوم الإستراتيجية بخدمة السياسة، والإستراتيجية عموما فكرة تربط ما بين الوسائل والأهداف. فكلما كبرت الأهداف السياسية، تطلب الأمر إستراتيجية أكثر شمولا، ووسائل عديدة.
(61) عاما عمر قوات الجيش السوداني تحمل خلالها بمسؤولية واقدام عظائم الأمور.. لكن اليوم يواجه الجيش عبث السياسة والسياسيين، فلم يعد المرء يتبين الفرق بين الجيش من جهة وبين قوات الدعم السريع وقوات جهاز الأمن المتحصنة بصلاحيات قتالية واسعة النطاق من جهة أخرى.. لا يمكن أن يرجى خيرا من مؤسسة تنهار معنويات أفرادها يوما بعد يوم كأوراق الخريف.. في 2006 أجريت تعديلات وتغييرات نظرية طالت الجيش لأجل توسيع صلاحيات وزارة الدفاع لتصبح مسؤولة عن التخطيط الإستراتيجي للسياسة الدفاعية للدولة والشؤون المالية والإمداد اللوجستي والإشراف العام على أداء الجيش.. لكن أي نتيجة إيجابية لذلك لم تظهر للعيان.
يعتبر الجيش السوداني جيشا قويا وليس قوته في تفوقه التكنولوجي بل في عقيدته القتالية الفريدة ويمتاز الجندي السوداني بالشراسة والبسالة وهذا أمر مشهود عبر التاريخ، وللجيش السوداني خبرة نادرة فقد ظل في وضعيه قتالية منذ (الحرب العالمية الثانية) ومعلوم أن طول حالة الحرب ينشئ خبرة تراكمية عالية وهذا ما لم يتوفر لجيوش أخرى هي أفضل تسليحا، وتتكون بنيته التحتية من قوة عسكرية ضخمة تتمثل في مصانع للمدرعات والآليات الثقيلة ومصانع للأسلحة والذخائر.
وكان الجيش السوداني لوقت قريب يعد من أميز الجيوش في المنطقة وتشهد بذلك الحروب التي شارك فيها مثل الحرب العالمية الثانية حيث شاركت فرق في معارك في المكسيك وذلك عندما كان السودان محتلا من قبل بريطانيا، وقد شارك في عدة عمليات خارجية وداخلية أثبت خلالها قوة وكفاءة وتميز ومن أهمها دحر الإيطاليين من مدينة كسلا في شرق البلاد، ذلك الانتصار الذي ألهم رئيس الوزراء البريطاني تشرشل وجعله يعدل عن الاستسلام للألمان كما صرح بذلك لاحقا. وشارك في عمليات تحرير سيناء في العام 1973م من العدو الصهيوني كما اشترك أيضا في الحرب ضد إسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان وكان جزءا من قوات الردع العربية في جنوب لبنان.


‫3 تعليقات

  1. مستوى متدني من السلوك اللفظي الوضيع.. هل موثع النيلين يسمح بمثل هذه التعليقات السخيفة

  2. كل اناء بما فيه ينضح فقدتم المنطق بعد فضيحة الاتخابات وسيارات طلاب الوطني.. ليكم يوم يا مأجوري الأمن