هيثم صديق

برد برد


كان اليوم ينتمي لإحدى النكتتين من شدة حره، أما أن سبب حره نسبة لهتاف جماهير الرياضة بفوق فوق سودانا فوق حتى (تكلوه) على الشمس، أما أن حره لتصديق ما (قرض) السر قدور وغنا الكاشف “شمسك أشرق نورا بقت (شمسين)”..
الكل في موقف المواصلات كان ساخطاً من الوضع إلا (النور)، فلقد تمنى أن تنزل الشمس كمان وكمان ليحقق أكبر ربط في تاريخه منذ أن امتهن بيع الماء البارد للعطاشي جوار نهر الظمأ..
كان النور يضرب (الكيزان) مع بعض في حركة موسيقية، وهو يصيح (برد برد برد) ليس مرة ولا مرتين بل ثلاث مرات حاسمة.. إن سارت الأمور على هذا المنوال بلا شك سيتزوج في العيد الكبير من نوال.. نوال تظن انه يعمل موظفا في شركة ولكن ماذا يكسب الموظفون؟ الم يحن علي احدهم قبل قليل ويعطيه كوزا كاملا مجانا.. ألا يدين له محمد الموظف الكبير بمبلغ معتبر (لحد آخر الشهر) كان فكره يعمل ويديه تعملان و(الباقة) تفرغ ويملأها في كل مرة، ونوال في الخاطر يدوبي لها، وينشد الأشعار:
الشال منام عيني وفؤادي جارحو
إن شاء الله يلاقيني وبهواي أصارحو
والنور يتبسم والجميع يتهجم في نهار من حره، كما يقال (القدالي يرك ليك في جيبك) ولا يزال النور يطوف ما بين الحافلات والبصات يسقي هذا ويروي تلك حتى سمع صوتا لا تخطئه أذناه أبدا ينادي: يا بتاع البارد..
هذا صوت نوال بلا شك ولا ريب
هذا صوت الحبيب
كيف يغيب عنه صوتها ولو أجرى معاها مكالمة هاتفية، فلا يكفيه بعده سيجارة ولا سعوط ما لم يثلثهما بفنجان قهوة (مسيخ)..
يا بتاع البارد.. صاحت نوال مرة أخرى وهو يعطيها ظهره، وقد تسمرت قدماه في الأرض لا يستطيع حراكا..
لعنة الله عليك يا فتحية.. هكذا قال النور في نفسه، وهو يعلم أن فتحية صديقتها لابد أنها هي من أتت بها إلى هنا.. كم مرة طالبها بأن تترك صداقة هذه البنت (الفقر)..
يا بتاع البارد انت أطرش ياخ.. ليتني كنت أطرش يا نوال.. لكن هذا هو صوتك ببحته التي عشقها، وتمنى أن لو سجلها نغمة في تلفونه..
رن جرس تلفونه فتهلل وجهه ووجد فيه النجاة وأخرجه سريعا وأجاب بدون أن ينظر إلى الشاشة حتى.. من هاتفه خرج صوت نوال يقول: يا بتاع البارد ما تسقينا ياخ!!