منى سلمان

مين لسماك يطول.. ما بطولك اللمسان (1)


تهيأت لإنهاء يومي الطويل واللجوء لمرقدي مهدودة، عندما سمعت رنين هاتفي.. استعذت من طارق ليل إلاّ أن يأتي بخير.. ضغطت على الزر الأخضر ما بين اليقظة والأحلام فجاءني صوتها عبر الهاتف تسأل:معاي أستاذة منى سلمان؟ فأجبتها أن (نعم.. انتي منو؟)، ولكنها عاجلتني قبل أن أكمل سؤالي بـ (معليش يا خالتو.. اتصلت بيك في وكت مزعج لكن ما تتخيّلي تعبتَ كيف عشان أجيب تلفونك).. أجبتها بـ (ما عندك مشكلة) وفي خاطري شئ من حسكنّة ووهدبة.. انتظرتها أن توضح سبب اتصالها وعندما طال صمتها شجعتها بـ (خير؟!!) .. بعد لحظات تردد أتاني صوتها مكتوماً تخنقه العبرات (عندي مشكلة عايزة أحكيها ليكِ) فلم أزد عن (جداً اتفضلي)..لأكثر من نصف ساعة حكت لي محدثتي الشابة ما يزعجها، فقد طلبت مني أن أكتب عن مشكلتها حتى تكون عظة لغيرها من البنات.. أخبرتني بأنها طالبة جامعية تقيم مع أسرتها في الخرطوم، وأنها من أسرة محافظة محترمة ربّتها خير تربية على الأصول، وأنها ملتزمة بلبس الحجاب عن قناعة منذ دراستها للثانوي..صمتت فترة فشجعتها بـ (أها)، فبدأت تحكي عن أنها لم تجرب العواطف حتى بعد دخولها الجامعة ووصولها لأعتاب سن العشرين، ولم يحمل قلبها أي مشاعر للجنس الآخر من زملائها سوى الإخوة والزمالة، إلى أن بدأت تراودها مشاعر إعجاب كانت تشدها نحو شاب يعمل في إدارة مكتبة الكلية.. كالعادة كانت تتردد على المكتبة مع زميلاتها لتستعير المراجع، أو تستفيد من جوها الهادئ في المذاكرة، وعن طريق الصدفة عرفت أن الشاب من منطقة قريبة من عقابها، وذلك عندما استمعت لمكالمته مع أحدهم يخبره عن رغبته في زيارة أهله هناك.. سألته عن منطقته و(ود ناس منو)، وحدثته عن منطقة أهلها هناك، وبعدها تعود أن يسألها عن أخبارها ويتبادل معها الحوار كلما حضرت للمكتبة..تقول محدثتي إنها لا تدري متى بدأ قلبها في الانجذاب للشاب، ولكنها وجدت نفسها تفتعل الأسباب لتذهب للمكتبة، وتظل فيها لأوقات طويلة تتحين فيها الفرص لتتكلم مع الشاب، والذي لم يردها بل كان يتباسط معها ويسأل عنها زميلاتها إن غابت أو تأخرت يوماً، مما دفعها للاقتناع بأنه يعالج لواعج شبيه بما تعانيه..ثم كان أن رفعت الكلفة بينهما، فصارت تدخل المكتبة لـ (تجر) الكرسي وتجلس على جانب مكتبه.. تفطر.. تذاكر.. تحل واجباتها بجانبه!!قاطعتها متساءلة عن إذا ما كان وجودها بجواره يزعجه أو يعيق عمله في المكتبة، فأجابتني بأنها لم تلحظ عليه ضيقا أو تبرما، بل بالعكس كان يرحب بوجودها إلى جواره، ويحرص على مشاركتها الاستماع لبعض الأغاني من حاسوبه عن طريق السماعة.. فحدثت نفسي بـ (عاد آآخر استمخاخ.. وتيب الحصل شنو وجاب الزعل ده كلو؟)..أخبرتني بأن الأمور بينهم كانت سمن على عسل، رغم انه لم يصارحها يوماً بمشاعره تجاهها، ولم تفعل هي ذلك بطبيعة الحال، حتى إن الونسة بينهم كانت دائماً في المواضيع العامة وبرامجهم اليومية، ولم تكن بها أية إشارة ولو من بعيد عن (أيييي) ارتباط عاطفي، ثم كان أن سافر لقضاء إجازة مع أهله كما أخبرها، ولكن عندما عاد ترك العمل في المكتبة وتفرغ لمتابعة بعض الأعمال التجارية لأسرته..بعد تركه للعمل انقطعت أخباره عنها تماماً، ولم يحاول الاتصال بها رغم معرفته برقم هاتفها.. ظلت لبعض الوقت تقاوم رغبة تدفعها للاتصال به ولكن تمنعها كرامتها، التي جرحت بانسحابه المفاجئ من حياتها دون سابق إنذار، ولكن غلبتها شقوتها في اليوم فتجرأت واتصلت عليه..عندما وصلت حكايتها الى هنا غلبها البكاء فنحبت بصوت مخنوق، أصابني بإشفاق وحزن عميق.. هونت عليها بكلمات طيبة وطلبت منها الفضفضة لتشعر بالارتياح، فقد تلمست في بكائها معاناتها من جرح القلب وانكسار الخاطر..أخبرتني بأنه تحدث معها في برود شديد، وكان يجيب على قدر أسئلتها.. كيفك؟.. الحمد لله.. أخبارك طولنا منك؟.. والله طوالي مشغول.. وهكذا سرعان ما نفذت منها الكلمات فصممت وصمت هو لبعض الوقت قبل أن يغرز في قلبها نصل سكين بسؤاله:محتاجة لشئ؟ أجابته بـ (لا أبداً) فعاجلها بـ (طيب.. يلا سلام)!!ومن وقتها ظلت تبكي حتى حصلت على رقم هاتفي واتصلت لتحكي لي عن مشاعرها المجروحة وشعورها العميق بالإذلال والدونية.. ولومها لنفسها كيف سمحت لقلبها أن يعرضها لمذلة الرفض والإقصاء..طلبت منها قبل أن تنهي المكالمة أن تهون على نفسها بالاستماع لرائعة (سيد عبد العزيز) (يا قايد الأسطول) حتى تنام لنواصل الحديث في الغد (عشان ساهرت بي وكده)!!

(أرشيف الكاتبة)