مقالات متنوعة

عبدالله إبراهيم علي : تمنعني كرامتي عن مد يدي


نجد البعض من الأطفال والعجائز من الجنسين على تقاطعات الطرق وفي المدن الكبيرة والمناطق السياحية والتجارية، يبحثون عن الصدقة والمساعدة، وهذه الظاهرة تُعتبر ظاهرة عالمية تنتشر في معظم الدول، غير أنها بدأت تنتهي هنا في دولة قطر، وذلك لوجود الجمعيات الخيرية والطوعية وانتشار المنظمات الإنسانية وديوان الزكاة، والمجلس الأعلى للطفولة الذي يتابع مشاكل الأطفال، والدولة نفسها تتابع ذلك وتقف على كل كبيرة وصغيرة.
وقد يكون الممارس لهذه الظاهرة يعاني من ظرف مالي، وفي عوز وضيق ذات اليد جعله يفعل ذلك، كم تُؤلمني مثل هذه الأشياء، خصوصا عندما الذي يمد يده للمساعدة يكون محتاجا ونحن لا نعلم به، فننظر له نظرة افتراء وازدراء، يا الله! إننا نظلمه في هذه الحالة، فله الله وهو وحده يعلم به، فعندما أرى طفلا في عمر الزهور أو امرأة تحمل طفلها وتجلس وتمد يدها مستجيرة، تستطيع من هز عواطف الناس لجمع المال، وظاهرة التسول ذات أبعاد عديدة ومتنوعة، فهي ذات علاقة مرتبطة بالمجتمع، لكونها تعبيرا طبيعيا ونتاجا منطقيا للأزمات، فقد يعاني البعض من الأزمات الاقتصادية وسوء الوضع المعيشي أو السكن أو الرعاية الصحية، وقد يكون لسبب انعدام فرص العمل لانعدام الكفاءة التعليمية، وهناك العنف الأُسري، أما إذا كان يتخذها البعض مهنة رسمية ووسيلة سريعة للثراء، فهذا أمرٌ مرفوض يجب أن يلاحقه القانون، لأنه عمل بلا مجهود.
ولا يغيب علينا، كم من الفقراء لديهم عزة نفس وهم محتفظون بعفتهم وكرامتهم، فلا يلجأون إلى السؤال والتسول برغم أنهم قد يكونون في أمس الحاجة المادية.
ولأن الفقر من أكثر الدوافع لأسئلة الناس وطلب المساعدة، لذلك نلاحظ بعض الذين يريدون مساعدة مالية، نجد أنَ مظهرهم يوحي فعلا بغياب الأحلام عنهم، في الجسم الهزيل والثياب البسيطة المتواضعة التي قد لا تقيهم البرد ولا تسترهم تحت المطر ولا خلال العواصف القاسية، ولطالما الشخص يريد أن يعيش عفيفا عزيزا قانعا بما قسمه الله له، نجده لا يسأل الناس في شيء غير أن البعض في كلامه وابتسامته قد نلحظ عليه ضالة يريدها أو مالا يقتنيه، ولكن يصعب عليه سؤال الآخرين لكبريائه أو خجله، وكثيرا ما نلاحظ عندما نريد أن نصب وقودا في محطات الوقود مثلا، يظهر العامل لينظف لك زجاج السيارة أو ماسحا للغبار عنها، يغريك بالسلام ويوزع الابتسامات، يحسسنا كأنه يريد شيئا ونحن نفهمها، فيساعد من يريد أن يساعد، بينما البعض يصرف النظر، وقد يكون جرسون المطعم أو عامل الصحة أو من الذين يتقاضون معاشات قليلة قد لا تكفي احتياجات الأسرة، فيلجأ البعض منهم إلى مثل هذه التصرفات بطريقة غير مباشرة وفي خجل لحفظ كرامته وماء وجهه، وهؤلاء النفر إن صدقوا فيما يطلبونه، فلهم حق علينا وحقوقهم صنف خاص، فهي تلك الحقوق التي يمتلكها المرء لأنه إنسان، وهي حقوق أخلاقية رفيعة المستوى، لذلك تمثل حقوق الإنسان مجموعة متميزة من الممارسات الاجتماعية، مرتبطة بأفكار معينة عن الكرامة الإنسانية، أما الشحَاذون الكبار فهم موجودون في الشوارع، ومعظمهم عمال يشتغلون، لكنهم لا يشحذون بطريقة مباشرة.
أخيرا إذا وقف عامل النظافة في إشارة المرور عند سيارتك ليوهمك أنه يقوم بعمله، فلا تتذمر منه ولا تحتقره، فهذه حيلة إنسان فقير أرهقته الدنيا ومنعته الكرامة أن يمد يده إليك، ولتكن أنت المبادر ولتبتسم في وجهه ثم لتتصدق عليه، فالراحمون يرحمهم الله.