عثمان ميرغني

المؤمن الديجتال!!


[JUSTIFY]
المؤمن الديجتال!!

قبل أكثر قليلاً من عام ابتدعت إذاعة (الكوثر) بدعة غريبة.. أطلقت حملة سمتها (السودان أكثر قطر إسلامي يصلي على النبي).. وظلت تدعو مستمعيها للإكثار من الصلاة على المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.. وتكرر الإذاعة الصلاة بأسلوب عددي يهدف لتحقيق غاية الحملة وهي (جمع) مئات الملايين من الصلاة على النبي..
حسناً.. رغم أنني لا أعرف العدد الذي تمكنت الحملة من جمعه.. إلا أنني موقن تماماً.. أن ذات السودان الذي فاز (بفضل الحملة) بكأس أكثر قطر إسلامي صلاة على النبي هو نفسه الذي ضرب مبلغاً مريعاً في أكثر الصفات (المجتمعية) التي لم ينه عنها الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن فحسب.. بل زجر وتوعد وهدد من يقترف هذه الشرور بالويل المستطير هنا في الدنيا قبل الآخرة..
هل تصدقون (حسب إفادة الخبراء) أن غالبية ما يباع من طعام محلي أو مستورد مغشوش.. حتى الموز فاكهتنا المحببة الحنينة التي من فرط حنيتها بنا يشتريها الغني والفقير.. حتى هذا الموز وعلى كثرته مغشوش.. لونه الأصفر الفاقع الجميل هو نتيجة غش تجاري قاتل.. مخلوط بمواد كيماوية خطيرة.. عملية لا تتم في الخفاء خلسة عن عين القانون.. بل في قلب السوق وأمام بصر وسمع الجميع ولا تجد من الأمة التي نالت كأس الصلاة على النبي من يمارس فيها فضيلة النهي عن المنكر.. وأي منكر.. منكر قاتل خطير..
وعلى السياق ذاته كل الفواكه الأخرى.. برتقالنا الأخضر الجميل حرقوه بالكيماويات ليصبح مثل البرتقال المستورد أصفر فاقعاً.. والطمام (معطونة) في سموم المبيدات والمخصبات.. والبامية والباذنجان والبطاطس.. ولا أعلم هل وصلنا مرحلة (الجرجير) أما لا يزال فينا رمق من أمانة الزراعة والتجارة..
الخبز منفوخ ببروميد البوتاسيوم.. واللبن بالماء المضاف والمضادات الحيوية المضافة ليظل أطول مدة في المحال..
ويتواصل مسلسل الغش في الأدوية ومستحضرات التجميل والعطور والصابون والحلوى والمعلبات كلها.. والزيوت..
كل هذا الحصاد المر من تحت أيدي أبناء البلد الذي فاز بـ(كأس أكثر قطر صلاة على النبي)..
إذن يجدر السؤال ما معنى الصلاة على الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) إن كانت لا تمنع من الحصول على (كأس!!) الفساد والغش التجاري..
لماذا نحول الدين إلى لعبة أرقام.. مصلحة من أن نتحول إلى شعب مؤمن (ديجتال) كل همه أن يجمع أرقام التسابيح والتحاميد والتهاليل ظناً أن الدين (آلة حاسبة) غايتها الرصد الرقمي..
انظر إلى صلاة الجمعة.. راقب كيف يدخل الناس إلى المسجد وكيف يخرجون.. الصغير يزاحم الكبير ويتخطى رقبته.. بمنتهى التخلف الأخلاقى.. وأين؟ في بيت الله نفسه.. ونحن نظن أننا بذلك نحسن صنعاً.. أليس ذلك منتهى (فصل الدين عن الدولة) أن نظن أن العبادة طقوس حركية ولفظية معزولة عن مسلكنا العام.
الغرب وأمريكا يبزوننا في العلم والدين والدنيا لأنهم لا يمارسون الدين (الديجتال).. دين غايته جمع الألفاظ بعيداً عن التأثير على المسلك والأخلاق المجتمعية الشريفة..
بالله عليك انتبه جيداً ولا تجعل من نفسك مؤمن (ديجتال).. الألفاظ التي لا تغير السلوك هي مجرد لغو.. مهما ارتبطت بالمفردات المقدسة..

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]