مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : كارثة اسمها.. واتس اب!


حينما قام الموظفان في موقع ياهو، الأمريكي بريان آكتون والأوكراني جان كوم في عام 2009م بتأسيس تطبيق التراسل الفوري واتس اب، لم يكونا يدريان أنهما سيفتحان بابا لا يُسدُ من المشاغل والمشاكل على مستوى الكرة الأرضية.
وما زال عدد المستخدمين النشطين في الشهر والذي وصل أوائل هذا العام 2015م حوالي 700 مليون شخص، في تزايدٍ مستمر بالرغم من المخاوف الأمنية بإمكانية وجود ثغرات للتجسس من خلال تبادل الصور والفيديوهات أو المعلومات.
وهذه المعلومة الخطيرة لا تنقص من نشاط المستخدمين ولا تنشط من خاصية استشعار الخطر القريب والمؤكد حتما، حيث نجد أن التطبيق يتم استخدامه في المعلومات الرسمية والدقيقة بنفس درجة استخدامه في النميمة والفكاهة والاستظراف.
من ضمن الاستخدامات التي تقع في قائمة التداول الخطير وغير المسؤول هو تداول الصور والفيديوهات المسيئة، بتنوع درجاتها في الإساءة من أدناها إلى أقصاها وهو ما دعا إلى قيام حملة باسم «دعها تقف عندك» وهي مقاربة لحملة أخرى يتم فيها تداول الأدعية والنصائح الدينية نصها: «لا تجعلها تقف عندك» وهذه رغم توقع حسن النية فيها إلا أن مزايدتها بكسب الأجر والثواب جزاء وفاقا على القيام بنشرها، يُخرجها من دائرة الأعمال الحَسَنة، مما يستدعي إلى الخيال صورة مُرسلها وكأنه يقف وسط هذه الحشود وهو يوزع صكوك الغفران والحسنات.
وما يزعج الجهات الرسمية والمؤسسات العامة والقطاع الخاص في عديد من البلدان هو تكلفها مشقة الرد على المتسائلين عن صحة الإشاعات التي يتم تداولها بين الناس، ويصعب بطبيعة الحال اكتشاف مؤسسها.
وصلت الجرأة بالبعض إلى استخدام الخطابات الداخلية للشركات والمؤسسات ممهورة بالتوقيع والختم مع تغيير في محتواها، والذي يكون متن الشائعة.
فمن شائعات تتعلق بالأمن المجتمعي واقتصاد السوق إلى المنتجات الغذائية، إلى الاغتيال المعنوي لشخصيات معروفة.
وتحقق هذه الشائعات ضررا بالغا نسبة لأن تطبيق الواتس متاح لكل الفئات المجتمعية بمختلف أعمارها وخلفياتها الأكاديمية وثقافتها، فضلا عن الاختلاف في درجة الوعي، فلا يميز الكثيرون بين الحقيقة والشائعة، فكثير منهم بالإضافة إلى مساهمته في نشرها يكون قد آمن بها فعلا وعمل نتيجة لمحتواها.
وهذه كثيرا ما تمزج الحقيقة بالشائعة، شيءٌ من معلومة صحيحة مع تلفيق لدراسة أمريكية مجهولة المصدر، وذلك لإيهام الشخص بأن المعلومة صحيحة.
كما أن هذا التطبيق يلعب على الوتر الحساس لدى البشر وهو العاطفة.
فمن تحايا الصباح التي تحمل قلوبا تقطر دما، إلى التمنيات بأمسيات طيبة في تصاميم ملتبسة وتداول لنفس الأصدقاء في مختلف أرجاء الكرة الأرضية في وقت واحد.
فيحكم المرسل مجموعة المُرسل إليهم بصباحه ومسائه هو كشخص أساسي من المفترض أن تغير الشمس شروقها وغروبها وفقا لمجاملاته الرتيبة.
ومن رسائل الاستعطاف والتسول باسم ضحايا الحروب والمشردين والمرضى المحتاجين إلى تمسحٍ واضحٍ بالدين والمواعظ المعلبة التي تخلط بين الدعوة والرياء، وكثيرٌ من الذين يعيدون إرسال هذا النوع الأخير لا يكونون قد اطلعوا على محتوى الرسالة بعد.
ويتمثل اللعب على العقول في سيطرة الغيبيات على كثير من الرسائل، فلم يتركوا الجن ولا الشياطين ولا الشعوذة والدجل، بل وصل الأمر إلى تفسير بعض التوجيهات والآداب الإسلامية بمبررات ما أنزل الله بها من سلطان.
وهذه طامة كبرى تُضاف إلى كثير من قضايا نزوع البعض نحو هذا النشر غير المسؤول لمثل هذه الخرافات وغيرها.
وبهذا يكون قد طغى التشويش وتلويث العقول والقلوب على خير التواصل الذي كان غرض هذه الوسيلة من الأساس، والاستفادة منها بما ينفع الشخص أو يروح عنه ترويحا بريئا.
وهذا يوضح أن الإنسان لن يغلب في إيجاد أي وسيلة أخرى لو كف عن استخدام تطبيق واتس اب، فالمشكلة ليست في التطبيق ولكن فيمن يستخدمه، على اعتبار أن هناك مسؤولية من المفترض أن تساهم في تفعيل هذا التطبيق في الخير، وليس في خلق الأزمات.


تعليق واحد