حيدر المكاشفي

الإشكالات قبل التشكيل


عاد الحديث عن التشكيل الوزاري المرتقب، ونعود بدورنا كما اعتدنا قبل كل تشكيل مزمع، لطرح السؤال المهم، أيهما أهم التوافق على ما يحل الإشكالات ويحلحل العقد التي تواجهها البلاد، أم الاتفاق على التشكيل من يكون وزيراً ومن يكون والياً ومن يكون معتمداً ومن يكون مستشاراً وهلمجرا من مناصب ومواقع سلطوية.. شخصياً ليس لدي شك في أن الإشكالات أكبر وأهم من التشكيل، وفي رواية أخرى المشاكل أكبر من الشكل، والبنيوية أهم من الشكلانية على رأي النقاد، ولكن ورغم هذه المعلومة البدهية التي تلخص المشهد الوطني الآن، إلا أننا لا نزال ندور في حلقة شكل الحكومة القادمة ومن يكون نائب الرئيس، هل هو فلان أم فلتكان؟، ومن سيحتقب هذه الوزارة أو تلك. لا نزال نُعلي من شأن الأشخاص ونزدري البرامج. هذه النظرة الضيقة للأمور التي لم تقصر إدارة هذا البلد الشاسع بقضاياه المعشعشة على حزب واحد فحسب، بل تقاصرت به إلى مستوى الأشخاص، فصار الأهم هو من يحكم حتى داخل المنظومة الحزبية الواحدة وليس كيف يحكم، وخطورة مثل هذا السلوك هو أن المرحلة الخطيرة القادمة لن تحتمله وإن احتملته على مضض وعنت فيما مضى من عقود.
الأهم الآن هو رسم خارطة طريق واضحة المعالم حول جملة من القضايا المصيرية التي ستواجهها البلاد خلال الفترة القادمة، وهي لمن ألقى السمع وهو شهيد، فترة حساسة جداً قياسا بـ(البلاوي) الخطيرة والكبيرة جداً المطلوب التعاطي معها بكل حنكة وحكمة بأسرع ما تيسر وخلال أقل زمن ممكن، بحيث لا يسمح بدقيقة واحدة يتم تضييعها في مسألة شكلية مثل التشكيل الوزاري، الذي لم يكن يحتاج من الحزب (الغالب) الذي اكتسح الانتخابات بطريقة كاسحات الألغام، ولم يترك لغيره سوى الفتات، إلا بضع دقائق يخرج بعدها للملأ تشكيلته الوزارية الجديدة، اللهم إلا اذا أقعدته مساومات متوقعة بين أعضائه وترضيات وتوازنات داخل مكوناته الإثنية والجهوية، تعيق وصوله إلى تشكيلة متوافق ومتراض عليها في زمن قياسي، ويبدو أن ذلك هو ما يعتمل داخله الآن، ودليله هو بالونات الاختبار التي لم تنفك اللوبيات والشلليات داخله تطلقها كل يوم للصحافة بأسماء من تتمناهم وزراء، الأهم من هذا الإجراء الشكلي الذي يجري فيه الصراع البيني داخل المؤتمر الوطني حول من يكون الوزير والوالي وداخل أحزاب المشاركة أيضا، الأهم من ذلك الانتباه لما يعتمل داخل الوطن من قضايا ومشاكل ربما أدت إلى تفتته، وبدلاً من الاختلاف حول من يكون وزيراً ومن لا يكون، هو الوصول لرؤية وبرامج تنقذ البلاد من هذا المحك الذي وضعها بين أن تكون أو لا تكون، وأهم ما تتطلبه المرحلة على الإطلاق هو الحوار والتراضي مع أطياف الفعل السياسي المختلفة على رؤية وبرنامج ينجز حلاً شاملاً وعادلاً لكل هذه القضايا.. فالوطن أكبر بكثير من الوطني ومصيره أهم بما لا يقارن من التوزير.