منى سلمان

تنابز المبدعين..الما بشتري يتفرج !!


كلنا يعلم أثر الاساءة اللفظية على نفسية أي إنسان، وما تتركه من كدر وحزن ورغبة في الرد بالمثل على من اساء اليك، ولكن ثقافة التبرع بتوزيع الاساءات والمنابيز للآخرين بدأت في التسرب إلى عالمنا الفني والثقافي، ويمارسها بعض الباحثين عن التسويق والشهرة، حيث باتت حكايا خلافاتهم تتصدر مانشيتات الصحف الشمارات الفنية والمواقع الالكترونية، بدلا عن أن تشغلها بجديد الابداع، خاصة وقد بلغ بعضهم سن اليأس الابداعي وفارقتهم اضواء الشهرة (فراق الطريفي لي جملو) ..
مؤكد ان اغلبنا لا يكترث كثيرا ان سمع أن (زيد) من اهل الفن لا يكن التقدير اللازم لانجازات زميله (عبيد)، أو أن (فلانة) تعتبر ان رحم الفن قد عقم بعد انجابها، وان كل الموجودات في الساحة مجرد بنات كوتشينة، فلا هذا ولا ذاك من بين هموم معايشنا، ولكن عندما تبدأ البرامج والصحف الفنية والمواقع الاجتماعية وإذاعات الإف أم الأثيرية، تحاصرنا بمثل هكذا اخبار فان كل ما ستفعله بذلك الترويج لمثل هذه السخافات، يدخل في باب السعي لزيادة أسهم هذا الفنان/ة، ومحاولة بائسة لاعادته تحت دائرة الضو ..
بجانب آخر، تبقى حقيقة ان البسطاء وذوي العقول الخاوية دائما هم من يسقطون في فخاخ الترويج المنابيزي، ويتدافعون للحصول على نسخة من صحيفة (قلنا وقالوا ) الفنية والتي حصلت على السبق في نشر خلاف حاد نشب بين الفنان فلان والموسيقار علان، أو تفاصيل رد الواعد فليتان على مطاعنات ولي نعمته الفنية الذي لم يراع العشرة واللقمة الهنية .. يدفع البسطاء ثمن الصحيفة من كدهم وقوت يومهم لمتابعة آخر تطورات (الردحي) بين العملاقين، وربما قام بعض المذيعين ومعدو البرامج في المحطات التلفزيونية والإذاعية، الباحثين عن موضوع لتغطية ساعات البث الطويلة وربما لا تكون لديهم القدرة على إعداد مادة مفيدة فيجدون هذه القصة الجاهزة مخرجا من المطب، دون أن يعلموا بأنهم من خلال تناولهم لهذه الحادثة صاروا أداة ترويج لذلك الفلان أو علان دون مقابل ..
لكن الذي ليس عاديا هو أن يدخل بعض أصحاب الكلمة الراقية من الأدباء والشعراء والفنانين في هذه المتاهة، حين يفلح اصحاب المصلحة في مد يد (المديدة حرقتني) لاستدراجهم للفخ، فيدخلون في سباق من التنابز بالألقاب والخصال والفعال، دون ان ينتبهوا بأنهم بانزلاقتهم تلك، انما يحجزون لانفسهم موقعا في الدرك الاسفل من الاستنكار والرفض في نفوس قاعدتهم العريضة من المحبين والمعجبين.
فنان كبير اثرى الساحة الفنية والوجدان السوداني لعقود وعقود، يغض الطرف عن هذا التاريخ التليد لينجرف وراء اغراء العودة للساحة من باب توزيع الاساءات والشتائم بكرم حاتمي على رفقاء الطريق وزملاء المهنة، ليعود بذلك إلى دائرة الأضواء بعد خفوت وفتور !.
ترى من علّم مبدعينا المخضرمين هذه الحيل؟ وهل سبقنا إليها أهل الفن في العوالم المتقدمة لنقوم بـ (قش) الجليطة في ثوب العولمة وآفة تصدير الأفكار؟ بالله كيف يضحي فنان مخضرم مهما يكن عذره بسنوات شقائه وبصدقه وبماء وجهه من أجل لحظة يعيشها تحت الاضواء أو انتشار مسروقة من جيب الزمن ؟ الا يعلم انه بفعلته تلك يسقط من وجداننا دون أمل في أن يعاود القيام ؟
من المفهوم أن يكتب الكاتب ويلحن الملحن ويشدو المغني، كي يخلّد ابداعا يضيء بذاته لذاته أو يوقد شمعة تنير ظلمة النفوس، فان لم يفعل فلا بأس عليه وليتركنا لـ (نفتش الماضي) ونجتر ابداعه الزمان .. وختاما ندعو الله أن يعيننا على زمن لا تنفع معه الكتابة الكتابة الابداعية، ولا الفن الخالص، ولا الطرب الأصيل .. حينما يكون خبر الخلاف بين مبدعين فيه بما يعادل شهرة مائة عمل ابداعي ..
للاسف هذا هو منطق بعض مبدعينا في هذا الزمان! كيف يجدر بنا أن ننافس الوقت ونصنع تاريخنا المعاصر؟ وكيف نستطيع أن نشكل حلقات من التواصل بين مخضرمي الإبداع وواعديه ؟ كيف نصنع حاضرنا الثقافي والفكري؟ والجميع يجري وراء بريق السبق الصحفي في نشر تفاصيل الفضيحة؟
مطلوب منا جميعا قراء واعلاميين ومبدعين في شتى المجالات، أن لا نلتفت إلى أي نوع من محاولة الشهرة على حساب الاجتماعيات بدلا عن الانجازات، ولنفوت الفرصة على أصحاب هذه الأساليب في احتلال صفحات المجلات والمواقع والصحف .. عليكم الله يا ناس كفاية .. الفينا مكفينا !.

(أرشيف الكاتبة )