أبشر الماحي الصائم

أطويل طريقنا أم يطول


ربما لاحظ الكثيرون حالة تراجع أخبار السودان كثيرا في الميديا العالمية والإقليمية، فقد يمر الأسبوع والأسبوعان على الأقل، ولا يوقد نار خبر في الجزيرة وأخواتها عن بلاد النيل والشمس والصحراء، وأقول (نار خبر) لأننا نعيش بكل حسرة وأسف عصر أنباء الموت والقتل والتفجير بامتياز، أخبار القتل ولا شيء يعلو فوق أخبار المعارك والموت، فتتصدر مدن دير الزور والرقة وحمص، وصلاح الدين وتكريت وكوباني، وتعز وعدن عبورا إلى تاجوراء وبنغازي مرورا بسيناء، تتصدر نشرات القتل والتفحير كان الله في عونهم، عندما تتبارى المدن والعواصم العربية في تراجيديا صناعة الموت !! لا تملك إلا أن استعصم بألا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.. والحال هذه، فقد حمدنا الله كثيرا أن غبنا زمنا طويلا عن تراجيديا صناعة وتصدير مثل هذه الأخبار، حتى استيقظنا أمس الأول على وقع مقتل مائة روح بريئة من بني العمومة الرزيقات والمعاليا، فكما لو أننا بذلك نعوض خسارة غيابنا بخبر يهز كيان تلك الفضائيات ويزلزل الأرض تحت شاشاتها بصدمة بشاعته، ذلك لدرجة التساؤل المقلق “أطويل طريقنا أم يطول؟” !! وتأبى أرض المحمل والقرآن، إلا أن تشارك بمائة روح طاهرة في مونديال القتل الذي يجتاح المنطقة العربية والمنطق الإسلامي!! فلعمري ليست هذه هي بضاعة دارفور التي اعتادت تصديرها عبر الأزمنة والقوافل والتاريخ، كانت تصدر الأمن والطمأنينة وحفظة القرآن الكريم وحملة كسوة الكعبة المشرفة، لينقلب الأمر رأسا على عقب، فمن لم يمت في إقليم دارفور بيد أبنائها في الحركات المتمردة، يمت لا محالة بيد الاحتراب القبلي، وفي كل مرة القاتل والمقتول هو دارفور نفسها، لدرجة أن يصبح الحليم حيرانا، فلا يعرف المقتول لم قتل والقاتل لما قتل! وحتى نكون صادقين مع أنفسنا، فإن التساؤل يتجاوز خراب دارفور إلى خراب وطن بأكمله، هل تسمح دار المحمل والقرآن لنفسها وتاريخها أن تكون سببا لفشل دولة بأكملها، أن نؤتي من قبل وقبائل أعز منطقة!! وهذا التساؤل يعني بالدرجة الأولى أبناء دارفور أنفسهم، إذ أن الحل الذي نبحث عنه في المركز ونحمله الحكومة الاتحادية، هو بالكاد نتركه وراءنا في الإقليم، فيفترض أن صحوة قيمية تندلع في الإقليم، على أن القاتل والمقتول في النار، إذا تقابل الدارفوريان كل يحرص على قتل أخيه !! هنا نيران الفتنة والقبيلة والقتل وهناك نيران الآخرة ! لهذا أيها السادة ليس كل الحل والحكمة في أن يرسل المركز إلى الإقليم بمزيد من التعزيزات الأمنية لتفعيل هيبة الدولة، وهذا في حد ذاته مطلوب، ولكن بدرجة أقل من عمليات اليقظة وصحوة الضمائر وبعث القيم من جديد، في إقليم طفق يصدر هذه المعاني التي يحتاج أن يستشعرها من جديد !!
يا جماعة الخير، إن عمليات تعليق أسباب الأزمة بأسباب بعيدة ومستحيلة يخذله الواقع، فالأزمة تصنع في الإقليم من أقليات تفرض أجندتها بقوة السلاح، ويفترض أن الحل في يد الأغلبية التي تنشد السلام في الإقليم نفسه، وذلك بتجريد القتلة من أي مسوغ أخلاقي وقيمي قبل تجريدهم من السلاح، على أن الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا .. وليس هذا كل ما هناك..