الطيب مصطفى

يوم بُعاث ينبعث من جديد بين الرزيقات والمعاليا


من بين عتمة الإحباط التي غمرتنا جميعاً جراء الحرب الدائرة بين أبناء العمومة من الرزيقات والمعاليا والتي لا تنطفئ أو يخبو أوارها حتى تعود من جديد بأشد مما كانت عليه.. من بين هذه العتمة يطل علينا أمل جديد تبدَّى من خلال هبّة مجتمعية كبرى وتفاعل عظيم هذه المرة تزامن مع الانفجار الأخير لحرب القبيلتين اللتين ارتدتا إلى حالة أشبه بحرب قبيلتي عبس وذبيان التي عرفت بحرب داحس والغبراء أيام الجاهلية.
نعم، وجدت هذه الجولة من الصراع بين القبيلتين هذه المرة حظها من الاهتمام وتداعى لها كثير من التنظيمات السياسية والمجتمعية بما في ذلك الصحافيون الذين تضامنوا بصورة لا سابق لها حين سوَّدوا مانشيتات صحفهم بالأمس احتجاجاً وغضباً وحزناً على سيل الدماء المراق بالمجان.
هل أستعرض حرب عبس وذبيان التي حدثت قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم والتي كان من بين رموزها عنترة بن شداد العبسي والتي دامت أربعين سنة بسبب سباق بين الفرسين داحس والغبراء أم حرب البسوس، تلك المرأة الشريرة التي أشعلت بشِعرها نيران الحرب بين عدة قبائل عربية بسبب ناقة، أم أُعيد التذكير بيوم بُعاث الذي فجَّر حرباً بين الأوس والخزرج أهلكت الكثير من أبناء القبيلتين قبل خمس سنوات من هجرة الرسول الخاتم إلى المدينة؟.
كل تلك الحروب لها نسب وصهر فيما يجري بين القبائل في دارفور وكردفان، ولكن الغريب أن الرزيقات والمعاليا ثم بطون المسيرية التي تتقاتل وكذلك الهبانية والفلاتة وغيرها وغيرها من القبائل التي تغرق في (شبر موية) بأسباب لا تختلف كثيراً عن تلك التي فجَّرت حروب الجاهلية الأولى.. أقول إن الغريب أن تلك القبائل المتطاحنة يجمع بينها الإسلام الذي أنهى تلك العصبيات الصغيرة وأقام رباطاً جديداً وعصبية بديلة حلَّت محل تلك الانتماءات الضيقة..
لقد امتنَّ الله تعالى على الأوس والخزرج أنه أخرجهم من ظلمات تلك العصبيات الجاهلية (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
عجيب والله أن يرتد الناس إلى عصبياتهم القبلية والعنصرية في دارفور وكردفان بعد ما يقرب من ألف وخمسمائة عام بدون أن ينصاعوا إلى مرجعية القرآن الكريم التي لم تغادر حلوقهم إلى أفئدتهم وقلوبهم وهم أهل القرآن، فشتان بين قرآن يمشي على الأرض من خلال سلوك يخالط بشاشة القلوب ليهزها هزاً ويؤزها أزاً وقرآن تردده الألسنة ولا يتجاوز الحناجر.
عندما اعتمل الغيظ في قلوب اليهود الذين زال تأثيرهم بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرون الأوس والخزرج وقد حل الحب والإخاء محل الحرب والجفاء تحرك أحد شياطينهم ويدعى شاس بن قيس ليذكِّر القبيلتين بما جرى بينهم يوم بُعاث من اقتتال وهبَّ بعضهم إلى أسلحته وبدأت حميّة الجاهلية تفور في النفوس المؤمنة وأخذ الشيطان ينزغ بينهم فما كان من الرسول الحبيب إلا أن خاطبهم (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)؟! وذكّرهم وتلا عليهم من آي القرآن فانطفأت الفتنة وتعانق القوم وهم يبكون ونزل القرآن يحذّر من التأثر باليهود من دعاة الفتنة وينذر ويبصّر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ، وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)؟! ثم نزلت آية (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
أين علماؤنا لكي يذكروا المعاليا والرزيقات بهذه المعاني ويتلون عليهم آي القرآن ويوبخونهم بقول ربنا: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)؟ أين من يُحذّر ويُنذر من يستحلون دماء المسلمين بوعيد الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
أين الدولة التي فقدت هيبتها لترد المعتدين بالقوة اذا لزم الامر حتى يعلم من تحدثه نفسه أنه فوق القانون أن جزاءه القتل إن هو تمرد وطغى وبغى وأخذ القانون بيده ليقتل وينهب ويخرّب ويدمّر؟!.
ثم أين أبناء القبيلتين ممن تولوا الوظائف العليا وما هي قيمتهم إن لم يكونوا محل احترام المحاربين من أبناء تلك القبائل ولماذا لم يقوموا بدورهم في إطفاء الفتنة؟!.


‫2 تعليقات

  1. الكلام ما تقال ليه ايام الجها د ضد الجنوب وغرب السودان اصبح المورد الرئيسئ للمقاتلين والمرتزقه سواء كان مع النظام او لمعارضيه

  2. المشكلة ان رؤساء تحرير ومثقفون مثلك يا دكتور الطيب مصطفى يفوت عليهم حقيقة ان المعاليا لم ولن يسجل عليهم حالة اعتداء منظم ولو مرة واحدة على الرزيقات قديما وحديثا ، اخبرني بالله عن مرة سمعت فيها ان المعاليا اسرجت خيلها واعتدت على الرزيقات ، في الوقت الذي هجم فيه الرزيقات اربعة عشر مرة خلال سنتين اخرها الهجوم الغاشم على ابي كارنكا وسط مرئي ومسمع الاجهزة الامنية حتى ان عاصمة ولاية شرق دارفور (الضعين) تم اغلاق الاسواق والبنوك والمحال التجارية فيها يوم الاحد ليتم الهجوم يوم الاثنين ،،،
    المواعظ هذه لا تجدي مع مدنيين مثل المعاليا اولى بها العرب الرحل من الرزيقات ، ثم انكم بدأتم تشعرن بمرارة الاعتداء وفداحة الجرم عندما تصدى المعاليا لهذه القوى الكبيرة وهزموها اربعة عشرة مرة ، لو انهم ضعفو او استكانو او انتظروا حماية الحكومة للحقو بالقبائل التي ادخلها الرزيقات المعسكرات دون ان يبكى على مأساتهم احد ،،،
    ماذا كنت فاعل لو علمت ان مثل هذه القوة تتجه نحوك ، هل كنت تهرب ام تستكين ليحرق منزلك وتسبى نساؤك وتنتهك حرماتك ويسرق مالك ، ماذا تريد من المعاليا ان يفعلو ؟؟ وكيف تريد لهم ان يتصرفوا ؟؟