عثمان ميرغني

إيدك معانا..!!


موقف تاريخي جديد للصحافة السودانية .. اتفق الصحفيون السودانيون أمس على اتخاذ موقف موحد يسجله التاريخ للصحافة السودانية.. أن يصرخوا جميعاً بكل قوة ليقولوا (لا).. لسفك الدماء..
خلال الأيام الماضية كنت مشغولاً بزيارات متتالية إلى (دار الوثائق القومية) لمراجعة الصحف السودانية الصادرة خلال فترة تاريخية مضى عليها عقود.. عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري.. لفت نظري ملاحظة محبطة.. كل المواجع التي كانت تجتاح البلاد لم يكن دور الصحافة فيها سوى ترديد صدى ما تقوله الحكومة.. (كورال) يصفق خلف المغني..

والله العظيم أحياناً كان يخامرني احساس أن الحكومة هي ضحية الصحافة.. وليس العكس.. عندما تظل الصحافة تردد (نعم) لكل شيء.. تصفق الأقلام لكل ما تفعله الحكومة.. حالة تضليل ممعنة تجعل أعتى النيات الطيبة تفترض أن تأييد الصحافة علامة الطريق القويم.. حتى تقع في النهاية تحت حوافر أحصنة التاريخ.
لكن الصحافة السودانية اليوم تسجل موقفاً جديداً.. اتفقنا جميعاً على الصدور بمانشيت واحد (الصحافة السودانية: لا للدماء).. وافتتاحية واحدة في الصفحة الأولى.. كل ذلك ليكون رسالة قوية إلى الشعب السوداني النبيل أن الصحافة ليست مجرد صفحات ورقية تحمل الأخبار والمعلومات والرأي فحسب.. بل هي ضمير الشعب ولسانه.. كائن حي يتحرك على الأرض دفاعاً عن الأمة وامالها.
لا يجب الاستهانة بهذه الخطوة.. صحيح هي رمزية لكنها بداية في الاتجاه الصحيح .. كل فكرة تبدأ بذرة.. وكل مشورا يبدأ بخطوة.. وتتحول البذرة إلى شجرة وتطرح ثمارها.. والأجدر أن يتعهدها الجميع بالتشجيع والدعم.. فأسوأ ما يمكن أن يفعله المرء في مثل هذه الظروف أن يستصغر فعل الخيرات.. أن ينشر الإحباط بالاستهانة بأي فعل يبدأ صغيراً.. الأجدر أن تصبح كل كلمة طوبة في بينان ضخم يشارك فيه الجميع..
صدقوني الأمر أخطر كثيراً مما يتصور الناس.. البلاد في منعطف حرج إن لم نحسن التصرف فيه سنصبح جميعاً معول هدم بإرادتنا أو بغيرها.
قد لا تحبذ الحكومة مثل هذا المسلك الجماعي للصحافة السودانية. لأنها تريدها مخملية مخضبة البنان تجلس تحت ظل الحكومة.. تنقل صوتها وصمتها.. و(تشرب اللبن.. وتنوم بدري) على سياق ما يقال للأطفال.. لكن الصحافة سلطة مثلها والحكومة.. ودورها يستند على مرجعية الشعب مالك هذه البلاد والوطن.. وما تجب أن تفعله الصحافة لا يجب أن ينتظر (التصديق الرسمي).. فـ(المحرش ما بكاتل) ودور الصحافة يجب أن تلعبه بالأصالة لا بالوكالة..
رددوا جميعاً مع صحافتكم.. (لا.. للدماء!!)