أبشر الماحي الصائم

فيصل.. قصتنا الأولى


ربما لأول مرة يخرج منسوبو مؤسسة سودانية لوداع مديرهم العام ضاربين بعرض الحائط تحذيرات نقابة العاملين، ذلك على النحو الذي سارت به الركبان والأسافير، مجلس إدارة بنك فيصل الإسلامي يتخذ قرارا مفاجئا يقضي بعدم التجديد للمدير العام، وبعيد ساعات العمل يخرج المدير علي عمر إبراهيم فرح، سليل ناظر عموم الجعليين، يخرج من البنك كما يخرج المكوك والأبطال مرفوع الرأس عالي الشأن، فيخرج العاملون إلى ردهات البنك وبهوه، فيسدون شارع البطل علي عبداللطيف.. التاريخ يعيد نفسه، في مشهد قل أن تجود به الخدمة الوطنية السودانية، إذ في الغالب يخرج المديرون إلى مضابط التحقيق تحت سخط ودعاء العاملين، أما أن يزف العاملون مديرهم بهذا الحشد وهذي الدموع، فلعمرى لا يحدث هذا إلا في فيصل الإسلامي، الذى لم يعد مجرد مصرف رائد للصيرفة الإسلامية فحسب، بل أصبح معلماً للأجيال والناس والتاريخ ومجالس الإدارات أدب الوفاء وقيم العطاء، فالرجل المغادر هو من ارتبطت به نهضة البنك على مدى أكثر من عقد من العطاء المصرفي الجهير، وهو من وضع فيصل الإسلامي في مكانه الطبيعي الطليعي، على قمة المصارف الإسلامية على مستوى المنطقة العربية والإسلامية بل العالمية، لطالما حصد البنك على عهده عشرات الجوائز المحمولة جوا، فكان لابد من أن يحمل الرجل على محمل الوفاء وهو يغادر عرينه الشاهق، وهنا لا تعرف بمن تحتفى، بفيصل (بيت) الإسلاميين السودانيين الأول، أم تحتفل بوفاء العاملين الذين تربوا في كنف هذه المدرسة الودود الولود، أم تحتفل بالمدير المغادر ابن مملكة الجعليين وأحد مكوكها المعاصرين؟! وقبل أن نذهب بعيداً، وللذين يقرأون بتطرف وأجندة مسبقة، أنا أفعل ذلك لوجه الحقيقة والتاريخ والأجيال وقيم الوفاء، فعلى الأقل أنا احتفل برجل غادر خزائن البنك ومكامن التصديقات والتوقيعات، فلو كنت احتفل بمقدمه وتعيينه لأمكن لبعض المتنطعين أن يقفوا على هامة التاريخ يهتفون (إن يسرق فقد سرق له أخ من قبل)، ندرك أن التغيير سنة الحياة، غير أن الأزمة تكمن في أن القرار كان سيئ الإخراج والتوقيت ! لو أن مصرفاً آخر غير مسيد الإسلاميين التاريخي الذي خرج الوزراء والشهداء والمديرين والأمراء، لما أرهقت خيل قصائدي ومقاصدي وملاذاتي، فيصل لم يكن مجرد ماعون مصرفي لحزم النقود وتضخيم الاستثمارات، فيصل قصة الإسلاميين الأولى ومؤسستهم البكر وأشواقهم الخضراء وحلمهم الكبير، غير حاذق من يزعم أن الإسلاميين قد تحركوا إلى منصات الحكم من القيادة العامة في ثلاثين يونيو، الصحيح أن الثورة الحقيقية قد انطلقت عام 1983 مع نهوض بنك فيصل الإسلامي، وهنا ثمة محطة فارقة في تاريخهم تعلموا فيها كل شيء، من إحكام ربطة العنق إلى حزم الأفكار، فقد كان فيصل مصرفاً ومنبراً ومعسكراً وملهماً، فلا أعرف كادراً إسلامياً لم يمر من هنا لدرجة القول، فمن كان ليس في تاريخه فيصل الإسلامي فليرمها بحجر .. وليس هذا كل ماهناك.