د.عبد الوهاب الأفندي

من على كوكب طهران: صعود نحو الهاوية


(1)

في الأسبوع الماضي، استمعنا في العاصمة القطرية الدوحة لدبلوماسي إيراني رفيع المستوى وهو يشرح كيف تنظر طهران إلى قضايا المنطقة. حدث هذا في إطار منتدى الجزيرة السنوي التاسع الذي استضاف هذ العام حشداً ضخماً من السياسيين والأكاديميين والإعلاميين والنشطاء وغيرهم من المهتمين بالشأن العام لمناقشة كوارث المنطقة الآخذ بعضها برقاب بعض. وبالطبع كان لا بد من سماع صوت إيران، خاصة وأن يد إيران هي في كل مكان هذه الأيام، ولكن صوتها محجوب في عالم ما بعد «عاصفة الحزم».

(2)

نطق باسم إيران في ذاك المحل المشهود الدكتور والسفير سيد محمد كاظم سجاد پور، مستشار وزير الخارجية والأكاديمي المرموق. وقد كانت خطبة السفير الدكتور التي استغرقت قربة نصف ساعة آية من آيات خداع النفس والتذاكي الغبي، وحالة الإنكار القصوى. أفتى سجادبور بأن الهجوم على إيران أصبح ذريعة للتغطية على سلبيات العالم العربي وعجزه عن الوصول إلي الديمقراطية. أما إيران، فهي دولة ديمقراطية ودولة مؤسسات تعتمد على نفسها، وهذا هو السبب في أنها أصبحت دولة صاعدة في المنطقة، ولم يعد من الممكن تجاهلها. واستدل على قوله بالاتفاق النووي آية على قبول إيران ونفي التهم ضدها، ونفى أن يكون لإيران دور سلبي فهي «الحل أو جزء من الحل، وليست المشكلة. ودعا العرب للقبول بها والتعامل معها، خاصة أن محاولات عزلها خلال ثلاثين سنة قد فشلت.

(3)

لحسن حظ المستمعين أن سجادبور قال في مطلع حديثه أنه يتحدث بصفته الأكاديمية وليس الرسمية، فحمدنا الله على ذلك كثيراً. إذ ما ذا كان سيحل بنا لو أن الرجل، لا سمح الله، تحدث بلسان رسمي مبين؟ إيران دولة مؤسسات ديمقراطية؟ ليبلغ ذلك لحسين موسوي، الذي كسب انتخابات عام 2009، فكان جزاؤه الاعتقال والحظر من كل ساحة عامة، وهو من هو في تاريخ الثورة الإسلامية ليسأل كذلك أصدقائي الكثيرين الهاربين من إيران، وعلى رأسهم عبدالكريم سوروش وثلة من قادة الفكر.

(4)

الاتفاق النووي اعتراف من العالم بأن نوايا إيران كانت دائماً سلمية، وأنها لم تكن يوماً خطراً على العالم؟ ولماذا إذن التفتيش والشروط القاسية؟ هل يفتش أحد الهند أو باكستان، وهما دولتان نوويتان باعترافهما؟ العالم اعترف الآن بصحة موقف إيران بالحل السياسي في سوريا؟ في أي كوكب يقيم السيد سجادبور؟

(5)

ختم سجادبور بدعوة العرب ألا يكونوا عاطفيين (ما يعنيه هو ألا نتأثر كثيراً بما يجري في سوريا من مذابح، وألا تدمى قلوبنا على فظائع العراق وتدمير اليمن)، وأن نقبل بحقيقة «صعود» إيران ودورها الذي لا مهرب منه (أي أن نستسلم لإملاءات إيران ونعيش معها أوهامها)، وألا ندول الحلول (أي نسمح لإيران بأن تنفرد بدول المنطقة، وندخل في امبراطوريتها الجديدة التي يرفضها معظم الإيرانيين). فلماذا إذن تدول إيران ملفها النووي؟ لماذا لا تناقشه مع جيرانها؟ ولماذا لا تناقش الملف السوري في الرياض بدلاً من موسكو وجنيف؟

(6)

لم تكن هناك فرصة لسؤال وجواب كما حدث مع رئيس الوزراء المغربي عبدالإله بن كيران. (ويبدو أن السفير الدكتور اشترط ذلك لأنه لم يكن من الغباء بحيث لا يدرك ماذا كان سيسمع رداً على تهويماته). ولكن الناشطة اليمنية توكل كرمان نابت عن الجميع في إعادتنا إلى كوكب الأرض من عالم ديزني الذي يقيم فيه السفير، وتذكيرنا بما سكت عنه من مذابح سوريا وكوارث العراق، وخيانات اليمن، وكلها ليست من نسج خيال «صناعة التخويف»، كما زعم الزائر من الفضاء.

(7)

كان الجميع، وأولهم الإيرانيون، يعلم أن في إيران مشكلة كبيرة، ولكن حتى في أسوأ كوابيسنا لم نكن ندري أنها بكل هذا السوء. فإذا كان هذا حال «مثقفي» إيران ومعتدليها، فلماذا نلوم دراويش الحرس الثوري وملالي دون كيشوت الذين يعتقدون أنهم يدافعون عن محمل السيدة زينب في عاصمة يزيد الجديد، وإلى جانبه، بعد أربعة عشر قرناً من انتقال العقيلة إلى بارئها؟ هذه حالات من الهوس المرضي لا علاج لها، إلا بصواعق سماوية نخشى ألا تصيب الذين ظلموا خاصة.

(8)

لاحظ الشيخ حسن الترابي مرة ـ وهو متعاطف مع إيران- استحالة الحوار مع الإيرانيين، فعلق قائلاً: أشعر وأنا أحاور السفير الأمريكي، رغم خلافنا معه، أنك تتحدث مع إنسان، يأخذ ويعطي. أما حين أقابل السفير الإيراني، فأنا أشعر كأنني أمام جدار سميك، لا أستطيع أن أنفذ إلى ما ورائه. وهذه تجربة عشتها كذلك. فقد أنشأنا منذ بضع سنوات هنا منتدى للحوار الإسلامي لمواجهة المد الطائفي. ولكنني بعد المشاركة في تنظيم عدة مؤتمرات، تخليت يائساً عن هذا المسعى، لاستحالة الحوار مع من لا يفهم معنى الحوار، ويتصرف كإنسان آلي يعيد تكرار نفس المقولات في كل الأوضاع، ولا يعترف قط بالواقع.

(9)

قبل أن تتم أسلمة إيران أو دمجها في المنطقة، نحتاج إلى أنسنة إيران. نحتاج نحن، وقبلنا عامة الإيرانيين (ولا ننسى أن غالبية ضحايا نظام سجادبور هم إيرانيون)، أن يشعروا بأن المسؤولين الإيرانيين والملالي الناطقين باسم الشيعة هم بشر من لحم ودم، وأهم من ذلك، قوم لهم آذان يسمعون بها وقلوب يعقلون بها. وفي الحديث أن مثل المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. فلماذا لا يكون الإيرانيون جزءاً من جسد الأمة بدلاً من خنجر في خاصرتها؟ لماذا مثلاً لا يكون المسؤولون الإيرانيون «عاطفيين» مثلنا يتألمون لتقتيل وتشريد السوريين؟ لماذا يتحدثون عن «عدوان سعودي» على اليمنيين، وينسون أن من يقتل اليمنيين في عدن وتعز والضالع ليسوا هم السعوديين، وإنما أحبتهم من الحوثيين؟

(10)

نعم، إيران دولة صاعدة للأسف، ولكنها دولة صاعدة إلى الهاوية والدمار. تركيا أيضاً دولة صاعدة، وكذلك قطر والسعودية. ولكن هذه الدول صاعدة بالتنمية والبناء والعطاء. تركيا تؤوي اللاجئين السوريين، وتبني في الصومال، وتعلم في آسيا الوسطى. قطر تنشر السلام في دارفور، وتفتح أبوابها للحوار، وتقدم الإغاثة من افريقيا إلى نيبال، وتنشر التعليم وتدعم الصحة. السعودية أيضاً تدعم بالعطاء من لبنان وسورية إلى أقاصي العالم الإسلامي. أما إيران، فلا تقدم إلا الأسلحة، ولا توزع إلا الميليشيات والقتل. فهناك صعود، وصعود.

٭ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن

د. عبدالوهاب الأفندي


تعليق واحد

  1. هذا هو واقع ايران صم بكم ينفذون اجندتهم بغباء ويحاولون الاقناع بغباء ايضا. لكن واجب الامة العربية ان تعمل بجد وتسارع الزمن اذا كنا نحن اصحاب منطق وعلى حق من باب اولى ان نكون على اصحاب مبادرات بقدر ما تتطلبه المرحلة.
    لك الشكر دكتور الافندى.