حيدر المكاشفي

الملازم غسان.. كلاكيت ثاني مرة


لطبيعة فيني تجعلني في حالة تعاطف مع كل من يمر بحالة ضعف أو تحل به مصيبة، كائناً من كان، حتى لو كان أعدى أعدائي، وجدت نفسي في حالة حزن على الملازم الشاب غسان عبدالرحمن الذي راح ضحية حادث حركة أليم، وتعاطف مع أسرته الكبيرة والصغيرة على فجيعتها، ولم يكن ليمنعني كل ما ثار وأثير حول قضيته الشهيرة المعروفة باسم (قضية مكتب الوالي) من إبداء حزني على فقده في حادث حركة بتلك الطريقة المفاجئة، وتعاطفي مع أسرته، هكذا أنا ولن أكون إلا أنا، فرغم أنني كنت على قناعة بفداحة جريمة السطو المقنن و(المصلح) على عدد من قطع الأراضي في مواقع مميزة بالعاصمة، ثم بيعها بعشرات المليارات وتحويلها للمصلحة الخاصة، سواء عاد عائدها بالنفع لأشخاص بذواتهم أو لحزب معين أو بالقسمة على الاثنين معاً، هذه الجريمة التي اتهم المرحوم غسان أحد أفراد طاقم المراسم بمكتب والي الخرطوم، بالضلوع فيها بالاشتراك مع آخرين من داخل مكتب والي الخرطوم وخارجه، ورغم قناعتي بأن صيغة (التحلل) التي انتهت إليها القضية لم تكن غير تحايل على القانون والتفاف على العدالة، والتي بموجبها خرج المتهمون سالمين وربما غانمين وليسوا غارمين، رغم كل ذلك ورغم موقفي المبدئي من هذه القضية التي شغلت الرأي العام وأصبحت مدار أحاديثه بل وسخرياته كذلك من أحكام (التحلل) التي صدرت بشأنها، إلا أنني أسفت جداً وحزنت لموته الذي بدا مفاجئاً للناس وفاجعاً لأهله، أما أنه فاجع لأهله فذلك أمر مفروغ منه، وأما أنه بدا فاجعاً للناس فذلك لكون أن بعض غمارهم كانوا يحسبونه داخل الحبس، وبعضهم الآخر كان يظنه خارج البلاد، لتفاجئهم الحادثة الأليمة بوجوده داخل البلاد، وأنه حر طليق يتجول في طرقاتها بسيارته (بعد سداده لمبلغ التحلل البالغ تسعة مليارات من الجنيهات كما يقال)، حتى لحظة وقوع الحادث الذي أودى بحياته…
ومثلما رافقت قضية غسان أول كشفها الكثير من الأحاديث والاتهامات وكثرت حولها الأقوال وتعددت الاتهامات، رافقت موته أيضاً الكثير من الأحاديث والتحليلات والتفسيرات، ذهب بعضها لتبني نظرية المؤامرة، ويقيني أن السبب الذي فتح الباب واسعاً ليلج منه أي تأويل أو تعليل أو تفسير، هو صيغة (التحلل) التي انتهت إليها القضية، فلو أنها اتخذت مسارها القانوني العادل والنزيه حتى النهاية، لكانت قد وضعت حداً لما أثير وما زال يثار حولها، حتى بعد وفاة أحد أشهر أطرافها وقطع الحكم النهائي فيها قول كل خطيب، ولعل ما جرى تكون فيه العظة والعبرة للآخرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون…