داليا الياس

شوفوني


الرسائل التي تحملها لنا وسائل التواصل الاجتماعي كل صباح ممهورة بتواقيع مديري الأعمال المعنيين عن أنباء تبرعات مالية بأرقام فلكية يقدمها أثرياء السودان المهووسون برياضة كرة القدم تحديداً دعماً للفرق التي يشجعونها، تثير العديد من التساؤلات والتحفظات لدى غير المولعين بالرياضة الجماهيرية الأولى أمثالي، والذين يكتفون بالانتماء لأحد الفرق وفق الميول النفسية أو نزولاً عند رغبة البيئة المحيطة أو حفاظاً على موروث الأسرة دون أن يكون لذلك الانتماء أي دور فاعل ومتطرف في حياتنا!
ومع كامل احترامي لتلك الفرق ومنسوبيها ومشجعيها وجمهورها العريض، إلا أنني أرى أن هناك فئات أخرى في المجتمع أحق بكثير بتلك الأموال!!
فنحن لا نزال والحمد لله مدرجين عالمياً في سجلات دول العالم الثالث التي ترزح تحت وطأة الفقر والجوع والمرض والأمية.. ويكابد السواد العظم من أهلنا الأمرين من أجل توفير لقمة العيش اليومية والاحتياجات الأساسية، الشيء الذي يجعل الهوس الجماهيري بالرياضة العالمية الأول – حسب وجهة نظري المتواضعة – نوع من الترف يقوم به البعض ويسقط عن الآخرين!
وحتى إذا ما سلمنا جدلاً بأنها الرياضة الشعبية الأولى التي تحتل القلوب وتشغل الألباب وتفرد لها الصحف والبرامج التلفزيونية والإذاعية، وتنال نصيب الأسد من اهتمام كافة الشرائح المجتمعية، فإنها تظل دائماً مجرد لعبة.. أو نوع من أنواع الرياضة.. لا علاقة له مباشرة بإنسانيتنا وكرامتنا.. فما الداعي لبذل تلك الأموال الطائلة في شأن هو بالأخير لا يعدو كونه هواية لا تتعلق بأولويات حياتنا، ولا تمس عصبها الحي؟!
وبغض النظر عن رأي أهل الاختصاص ومدمني اللعبة ومشجعي الفرق المختلفة.. وبعيداً عن الحدث والأبعاد الحقيقية لتلك الممارسات التي يقوم بها أولئك الأثرياء المعروفون، الذين يشار لهم بالبنان.. فإنه من باب أولى أن تجد هذه المبالغ طريقها لمواعين أشمل وأحوج وأفيد.. وإن لم يكن ذلك فليس أقل من أن يتم الأمر دون ضوضاء أو استفزاز لمشاعر الآخرين من الذين يتلقون تلك الأخبار بمختلف الوسائل ثم يمصمصون شفاههم من الحنق والحسرة كونها في نظرهم تكفي لتحقيق جميع أحلامهم المتواضعة التي لا تخرج عن إطار الأساسيات المعروفة لحياة آدمية متوازنة ومحترمة ومريحة.
فما الداعي لتلك الحملات المنظمة التي تروج لتلك العطايا؟! هل هي من باب (المن) أم من باب (شوفوني)؟! وإذا كان الاحتمال الأول بعيداً نسبياً فلا يمكنك مهما كانت قدراتك وقدرات حاشيتك الموقرة أن تمن على ملايين المشجعين وأهل الفريق المعني، فإن الاحتمال الثاني هو الأقرب للأذهان ولنفسية أولئك الأشخاص الذين يصيبهم المال غالباً بالعديد من الأمراض النفسية التي منها داء العظمة والغرور!! فيعمدون للبحث عن الأشياء التي تبقيهم دائماً في دائرة الضوء، مثاراً لأحاديث الناس واهتمامهم مهما كانت النتائج المتواضعة التي تحققها تلك الفرق وأولئك اللاعبون المستفيدون من تلك الممارسات!!
عموماً، إن كان لابد من تلك الرعايات والتبرعات وبذل الأموال للاعبين والأندية دون مردود واضح.. فإنني أرجو من تلك الأسماء الكريمة أن تنظر بالمقابل بعين الاعتبار للمدارس والمستشفيات وغيرها من الصروح الطرفية النائية التي تفتقر لكل شيء وتسلم الموجودين في محيطها الخدمي لأوضاع مزرية يندي لها جبين الإنسانية والوطنية والإسلام.
تلويح:
بالله عليكم.. لا تجعلوا لعبة رياضية تلعب بمصائركم ولا تضيف حرفاً نيراً لصحائف أعمالكم!