الطيب مصطفى

عندما يحفر الفرعون قبره بيده


ما كنت أظن أنني سأعيش لأشهد عجائب كنا ندهش حين نقرأ قصصها بين دفتي المصحف، وهو يسرد أبشع النماذج في التاريخ البشري.. نعم، ما كنت أظن أنني سأرى بعيني رأسي قصة أصحاب الأخدود الذين وضعوا على النار وهم أحياء على يد أحد الطغاة واسمه (ذو نواس الحميري) في اليمن قبل مولد الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن يزأر محدثاً عن مأساتهم (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).. لقد جاءت مذبحة ميدان رابعة لتعيد قصة أصحاب الأخدود ونيران السيسي تحصد الآلاف من الرجال والنساء الأطهار في مصر الأزهر.. عاصمة صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين وقطز قاهر التتار.. جاءت مذابح رابعة وميدان النهضة وما تلاهما لتحكي عما فعل فرعون الجديد الذي أعاد سيرة سلفه الذي استضعف طائفة من شعبه (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
ما كنت أحسب أنني سأشهد انحطاطاً يحيق بمصر ويهوى بها إلى قاع لم تبلغه في تاريخها الطويل حتى أيام فرعون موسى ويجعلها تقضي بإعدام أحد أبرز علماء الأمة على مر التاريخ وأحد مفاخر مصر هو د.يوسف القرضاوي أحد أكبر مجددي الدين في عصرنا الحديث ومفجّري صحوة الأمة والذي قدم للإسلام أكثر من مائة وخمسين كتاباً ترجم كثير منها إلى مختلف لغات العالم.
ما كنت أحسب أن يطول الحكم بالإعدام رجالاً لم ينجب التاريخ كثيراً من أمثالهم.. محمد بديع ذلك العالم الربّاني الذي تزعّم حركة الإخوان ونال من قضاة مصر في عهود طغاتها صنوفاً من الأذى من لدن عبد الناصر ثم السادات ثم مبارك ثم السيسي.. ثم يقضي بإعدام محمد البلتاجي ذلك الأكاديمي الطبيب الفصيح البسام والد أسماء شهيدة ميدان رابعة وغيرهم كثير.. كلهم يحكي عن كيف انحطت مصر وتردّت إلى قاعٍ سحيق بفعل طاغية يذكّر بذلك الأنموذج القرآني الذي استنكر على الناس أن يفكروا قبل أن يستأذنوه (آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ) .؟!
نعم.. كان كثيراً عليّ وعلى محبي مصر أن يُطارد الأطهار الصوّامون القوّامون وتعود مصر إلى ذلك الأنموذج الذي حكى عن قوم لوط وهم يطالبون بطرد الأطهار من مدينة الفسق والفجور (أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ).
حق لدولة العدو الصهيوني أن تسعد بفرعون مصر الجديد الذي بلغ ما فعله لمصلحتها أن تضم قائمة المحكومين بالإعدام بعضاً من مجاهدي وشهداء حماس الذين لم يروا مصر حتى استشهادهم ورغم ذلك يحاكمون ويحكم بإعدامهم بعد أن استشهدوا في مواجهة اليهود المحتلين ومغتصبي المسجد الأقصى.
لكن هل سعد ذو نواس الحميري بعد حرق المؤمنين قديماً وهل بقي عبد الناصر كثيراً بعد قتل صاحب ظلال القرآن (سيد قطب) وهل يبقى السيسي وهو الذي يشن الحرب على الله ورسوله ودعاته؟.
إن فرعون مصر الجديد الذي يسعى لانتزاع مصر من تراثها وإرثها الحضاري ويحتفي بالراقصات والفاجرات ويصادر ممتلكات معشوق الجماهير المصرية محمد أبو تريكة ويقرر إعادة النظر في تأريخ مصر وإزالة مصادر عزتها وفخر أمتها ليطمس تاريخ صلاح الدين الأيوبي، ويزيله من المناهج الدراسية ويحرق كتب التراث الديني لعلمائها وعظمائها وأئمتها.. يحفر نهايته بيده، خاصة بعد أن أعلن الإخوان بعد صبر جميل أن خياراتهم باتت مفتوحة سيما وقد بلغت الغطرسة والتجبر درجة غير مسبوقة بعد الحكم بإعدام الرئيس مرسي والمرشد محمد بديع والشيخ الرمز يوسف القرضاوي، وبعد أن نفذ حكم الإعدام قبل يومين في حق ستة من الشباب الذين لم يبلغ بعضهم العشرين عاماً.
عجبت أن زبانية الفرعون استنكروا ردة الفعل الغاضبة من العالم الإسلامي وكأنهم كانوا يتوقعون مكافأة على جرائمهم المنكرة، ولست أدري والله في أية غيبوبة يعيش هذا الفرعون الذي بلغ جهله درجة ألا يعلم خطورة ما يفعل وهو يسوق مصر نحو حرب أهلية.
لن يكون الإخوان مسؤولين بعد أن قدموا من التضحيات في سبيل تجنب الحرب الأهلية، أما هو فقد ساقهم نحو إعمال فقه لطالما حبسوه في صدورهم خوفاً من تبعاته رغم أنهم مرخص لهم (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
سيتحمل هذا الطاغية المسؤولية وسيتحملها معه جوقة المطبلين من السفهاء والليبراليين والعلمانيين الذين تعروا من ورقة التوت بعد أن انكشف دورهم في كل مكان، وثبت أنهم ليسوا حريصين على الديمقراطية خاصة عندما تفضي إلى الإسلام فالحمد لله رب العالمين فقد عرفنا الحقيقة في مصر وفي السودان وفي كل مكان أن المطففين من الذين يخسرون الميزان لن يستقيموا على الحق بعد أن ركنوا إلى إزدواجية معايير تزين لهم الظلم وتجعلهم يكيلون بمكيالين لا يستوفون إلا لأنفسهم ولا يخسرون إلا لأعدائهم.
أما المجتمع الدولي فإنه سيحصد ثمار ما فعل، ولن يعيب أحد بعد اليوم على داعش تطرفها بعد أن أثبتت أمريكا وصويحباتها أن شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان ما هي إلا خدع وأكاذيب يروجون بها لباطلهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.


تعليق واحد