الصادق الرزيقي

نـداء اليقـظـة.. إلـــى أيــن تســاق مصــر؟!


منذ وقوع الانقلاب العسكري في مصر، وإجهاض الديمقراطية الوليدة، وعزل الرئيس المنتخب واعتقاله والزج به في السجون ومعه الآلاف من أبناء الشعب المصري وقيادات جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، حذرت جهات عديدة ودول وحكومات ومنظمات وحقوقيون ومراقبون ومحللون ومشفقون، من خطورة ما يجري في أرض الكنانة، ورأوا أن الأوضاع في مصر في طريقها للانزلاق نحو الهاوية. وقلنا هنا إن السلطة المغتصبة للسلطة، باتت على مهب الحرب والريح والعاصفة العاتية، بعد استغلالها للقضاء في تمرير الأحكام من منطلق سياسي لإعدام الرئيس الدكتور محمد مرسي وقيادات الإخوان في مصر.
وتسعى سلطة الانقلاب العسكري وحلفاؤها العلمانيون، بعد تحينهم الفرصة للقضاء كما توهموا على التيار الإسلامي ومحو وجوده واستئصال شأفته واقتلاعه من الجذور.. تسعى إلى تنفيذ مخططاتها خدمة لأعداء الأمة من الصهاينة الذين ما وجدوا في التيار الإسلامي إلا عدواً شرساً ومدافعاً باسلاً عن التراب والعقيدة والمقدسات، وظل لهم بالمرصاد صوناً للأمة وحراسة لها من بغي وعدوان وظلم.
ما سيحدث قريباً في مصر عند إقدام مغتصبي السلطة على إعدام الرئيس مرسي وإخوانه، سيكون مذبحة بشعة يندى لها جبين التاريخ، ولن تكون مصر بعدها كما كانت، وستدخل هبة النيل مرحة اللاعودة واللاتصالح، وقد حذرنا من هذه الجائحة القادمة على مصر منذ ساعة وقوع الانقلاب وانكشاف نواياه ومن يقف وراءه، وقلنا إن الصدام والعنف سيكون نتيجة حتيمة لعملية الانقضاض على الشرعية الدستورية والرئيس المدني المنتخب.. ومحاربة التيار الإسلامي وإقصائه واستهداف رموزه وتصفيتهم.
لقد شوهت صورة مصر التي كان ينتظرها الجميع لتكون رائدة وواحة للحرية في العالم العربي بعد ثورة «25» يناير، فنفس ممارسات نظام مبارك القمعية عادت من جديد. السلطة الانقلابية الوالغة في الدماء، تضع مصر وتاريخها فوق صفيح ساخن طالما حذر الجميع منه.
لقد قتل النظام الجديد في مصر خيرة شبابها وعلمائها، وحشر في سجونه المروعة خيار الشيوخ والفقهاء والعلماء والأبرياء والأطفال والنساء، وارتكبت في هذه السجون كل صنوف التعذيب والاغتصاب والقهر والسحل للمعتقلين بلا ذنب جنوه سوى المطالبة بعودة الحكم الشرعي المنتخب ومناهضة الانقلاب الدموي القبيح. ولم يكتفِ النظام القمعي بذلك، فبكل ما فيه من صلف وبشاعة وسفك لدماء المدنيين العزل الذين مارسوا حقهم الدستوري في التظاهر والمطالبة بما يرونه الحق.. ها هو يقدم على خطوة خطيرة للغاية ستجر مصر كلها إلى أنهار من الدماء والمواجهات، فقد يئس الكل وخاصة شباب مصر المؤمن المجاهد ونفد صبرهم بعد أن كظموا الغيظ طويلاً، فليس هناك من عاصم اليوم بعد هذه الأحكام الجائرة الظالمة من سقوط هذا البلد إلى برك الدماء.
أحكام الإعدام التي صدرت وحولت للمفتي بحق الرئيس الشرعي محمد مرسي والمرشد العام والشيخ الدكتور القرضاوي وعدد من الأطهار من قيادات الإخوان، علامة مخيفة للغاية لما وصلت إليه الأوضاع في مصر، وهي تجسيد للردة التي حدثت بغياب الحرية والديمقراطية، وتثبيت لخطورة الانقسام الحاد في صفوف الأمة المصرية وتفتح الباب أمام مزيد من الدماء والقتل والأشلاء، خاصة أن التيار الإسلامي لن يتراجع ولا يمكن شطبه هكذا، وكشطه من الحياة السياسية والحياة العامة وهو أقوى وأكبر قوة سياسية منظمة ظلت متماسكة لما يزيد عن ثمانين عاماً.
لقد بدأ التصدع يضرب بقوة في جدران السلطة الغاشمة، وانفضح زيف المبررات التي كانت تُساق لتبرير تقويض الديمقراطية الوليدة وإزاحة مرسي من الحكم وإجهاض العملية الحثيثة لصناعة نظام مدني لحكم مصر.. لقد عاد النظام القديم بكل مقابحه ودمامله وقيحه وصديده وطاعونه، عاد الظلمة والجلادون من جديد، وسيق الثوار والأخيار للسجون، ويتم الترتيب لإعدامهم والتخلص منهم، وما درى هؤلاء الطغاة إن الأجساد تذهب لكن الفكرة تبقى، والأجيال التي ستحمل المشاعل ستكون أقوى وأصلب، لأنها وعت الدرس وعرفت عدوها جيداً وتعرف أين هي مقاتله.
لا ندري ما تخبئه الأيام، لكن الزلزال القادم وهو نتاج ما يفعله الانقلابيون، لن يكون مداه قريباً ولا محدوداً. لقد أدخلوا المنطقة كلها في تلاطم الظلام.. فإلى أين تُساق مصر؟!