فدوى موسى

الخوف من بكره


تتلاطم أمامه الأفكار.. لا معالم للغد الزاهر كما قال معلقاً على نتيجته للصف الخامس أساس معلم المدرسة (تلميذ مجتهد ينتظره مستقبل زاهر).. ظل هكذا مربوطاً عند هذه العبارة بالذات تلك الكلمة (الزاهر).. عد حواجز التعليم وتدرجاته وهو الآن خريج معطل.. يبحث عن عمل يتفق مع دراسته ولا يجده. نعم يمارس حالة نفسية عميقة عنوانها (الخوف من بكره).. ينظر لمخاطرات ومجازفات البعض على أنها غير قابلة للتكرار والاحتذاء.. فهذا (حسام) صديقه ورفيق طفولته غاص في بطن البحر في رحلة الهجرة والهروب من الوضع المأزوم.. هذا نزار الذي كان يوماً متفوقاً الآن يمارس البهلوانية في تجارب كل شيء بدءاً من حلاق شعر متجول.. سائق الركشة.. بائع بدكان.. جرسون بمطعم.. كاشير في مقهى.. تتعدد عليه المسميات والأصل فيها ضائع باعتبار أنه خريج جامعي تخصص نسيج ولا يجد ما يقوده للتواؤم ما بين الدراسة والعمل.. ثم لا تكون فكرة اللحاق بمصير الهجرة مهما كان قاسياً خياراً أول.. ليعود وينظر لبعض أصدقائه الذين تمكنوا من تحقيق النجاح داخل هذه البلد بكثير صبراً واحتمالاً.. ثم يأسف لحاله ما بين كل تلك الحالات باعتباره حتى الآن لم يعثر على رأس خيط بكره.. ومستقبل الأيام المقبلة.. هو الآن مهووس يهذا الخوف الكبير لأنه يرى أن لا استبانة لقوادم الأيام وتفاصيلها.. أمه تجهد نفسها أن تحول تفكيره عن الاستمرار في حلم إيجاد الوظيفة مع المؤهل، وأن تكون محطته الجامعية مجرد ذكرى.. طرحت عليه فتح محل صغير (كشكول) يبيع فيه أي شيء.. اسكراتشات جرائد.. كراسات.. أقلام.. أمواس.. سكسكانية.. شعيرية.. على مقربة منه ستقوم هي بتعبئة القمح في أكياس، وعبوات صغيرة وأصغر على فرضية أن (الشغلانة مزعجة).. بحر من التلاطم والوسواس يجول بخاطره ويبعث فيه موجات متواصلة التوجس.. ثم لا ينقطع عنده الأمل عندما تظهر بعض التطمينات الكبيرة.. إعلان عن أعداد كبيرة من الوظائف.. انفراج وشيك للمشروعات الكبرى وغيرها من إرهاصات وإعلانات حتى ولو كانت مدغدغة للمشاعر والوجدانيات.. هو الآن ما بين مغادرة مخاوف بكرة والفتح القريب.. الشيء الجميل أن ذلك عاد عليه بايمانيات كبيرة جعلته ذهاباً وإياباً ما بين المنزل والمسجد، وتغير حتى شكله من (شاب داقي سيستيم) إلى شاب ملتحي حيي لا يعرف ما تحمله له الأيام لأنه مازال متمسكاً أن يربط ما بين شهاداته وعمله ومستقبله.. وهو الآن يكثر من التماس الأمل ويسوق أقدام أقداره يقيني الآن أن الدنيا لا تحتاج إلا لهذا الصبر الأيوبي وفي حالات التفاؤل الشديد (بكره أحلى).

آخر الكلام: الغد والقادم في رحم الغيب، والطريق في إعداد الذوات والنفوس يستلزم الاستفادة من كل زاد اتخذ خلال المسير إن كان في المجال الأكاديمي أو الروحي أو التجربة.. ما علينا إلا أن نستوعب سريعاً ما يجدُّ ويستجُّد في كل وقت من الأوقات

(مع محبتي) للجميع.