منى سلمان

اقول ياريت زماني الفات يعود تاني (2-2)


قد تحكم الظروف على الزوجين في بداية حياتهما الزوجية بالاقامة مع أسرة أحدهما، وفي العادة لا يكون هناك كثير حرج اذا كانت تلك البداية مع أسرة الزوجة، فهنا تتناغم البنت مع أمها وأخوتها ولا يكون لديها أي حرج في التصرف والحركة في اطار اسرتها الصغيرة وتمازجها مع اسرتها الكبيرة، كما ان اعراف النسب الصارمة تلزم أسرة الزوجة باحترام نسيبها الشاب ومراعاة مشاعره مع حمله على كفوف الراحة، ولكن المشكلة الحقيقية تكون عندما تجبر الظروف الزوجين لبداية حياتهما في منزل أسرة الزوج، فللأسف غالبية الفتيات ينظرن لمسألة السكن مع النسابة بصورة سوداوية، قد تكون راجعة لما يسمعونه حول تجارب الآخرين، بالاضافة لانه عند وجود ضرورة للسكن المشترك مع أسرة الزوج، لابد من مناقشة الموضوع قبل إتمام الزواج، وأن تتفهم الزوجة دواعي ذلك وتستوثق من ترحيبها النفسي بخوض التجربة، كما يجب ان تكوّن المقدمة على تلك المجازفة فكرة كاملة عن أسرة الزوج وأسلوب التعامل معهم، لأن ذلك من شأنه مساعدتها على التكيف مع الوضع وتهيئة فرص التعامل مع أهل الزوج بعقلانية تفاديا للمشكلات التي تنشأ من الأحكام المسبقة، ورغم ذلك فأن تأكد أن سلبيات تلك السكنى تتفوق على الايجابيات المرجية منها، فمن الأفضل العمل بنظرية أهلنا المصريين الذين يقولون في ذلك (شيل ده عن ده .. يرتاح ده من ده) وعلى الزوجين الاستقلال ثم التواصل مع الأهل بصورة ودية من بعيد لبعيد ..
بالمقابل فان لنا أمثالا كثيرة تحض على فضيلة الصبر .. نقول (الصوابر جوابر)، ويقولوا (اصبر على جار السوء ليرحل لتجيلو داهية تشيلو)، فلو صبرت الزوجة على معاناتها وعدم ارتياحها في بيت النسابة، لربما تغير الحال للافضل وتكون قد كسبت بصبرها تفهم زوجها وتقديره لتضحياتها وفي ذلك فائدة ومغنم وهذا ما لم تتمكن من فعله (بهيسة) فخسرت وندمت حيث لا ينفع الندم ..
عندما تقدم (عبد الله) تاجر الاسبيرات الكبير، للزواج من بهيسة التي تعمل في احدى الهيئات الحكومية التي تعنى بتقديم التصاديق التجارية والتسهيلات للمستوردين، لم يخف عنها ظرفه الخاص الذي يفرض عليه الاقامة مع اسرته رغم استطاعته المادية ووضعه المرتاح جدا، فقد توفى والده منذ سنوات وتركه دون ارث او سند مادي وهو كبير البيت ودون ان يكمل دراسته الثانوية وترك في عنقه امانة رعاية والدته وشقيقتيه الاصغر منه .. لم يتردد (عبد الله) في ترك مقعده الدراسي ليدخل السوق ويعمل في تجارة الاسبيرات مع بعض اقربائه الذين افردوا له مساحة بينهم ليعمل لهم مساعدا ومرسال حتى (توهطت) اقدامه وانشأ تجارته الخاصة فنجحت نجاحا مميزا ونقلته وأسرته الصغيرة من شظف العيش للراحات فقام بتجديد البيت واقتطع لنفسه جزءا مكونا من غرفة وصالة وحمام له ولعروسه المستقبيلية، فهو لا يستطيع ان يتخلى عن دوره في رعاية اسرته وهي من الاناث اللاتي ليس لهن في الدنيا سند غيره ..
رضيت (بهيسة) بهذا الوضع واستقر بها المقام في بيتها الجديد مع اسرة زوجها، ولكن شهور العسل بينهم لم تدم طويلا، فحسب وجهة نظر (بهيسة) فان شقيقتي زوجها قد وضعنها ? من قولة تيت ? في دماغهن، فتفنن في مكاواتها والتنقيص عليها والنوم على ظهرها لتخدمهن هن وامهن، والتي لم تقصر بدورها في معاداتها وكأنها (ضرتها) وليست زوجة ابنها .. شكت (بهيسة) لزوجها من انها لا تجد راحتها في هذا البيت فشقيقته فلانة تزعم بأنها لا تنام قيلولتها بمزاج إلا في برندة شقيقها وزوجته، أما الاخرى فلا تسرح شعرها إلا في مرايا غرفة (بهيسة) بحجة ان موية المرايا نضيفة وتظهرها آخر حلاوة، حتى ان أمه تركت كل جنبات البيت الـ (حدادي مدادي)، واحتفظت بـ مصلايتها في غرفة نوم ابنها، بحجة انها تعودت على الصلاة في هذه الغرفة بالذات ولا تستطيع ان تغير مكان صلاتها .. عاد ده ببقى ؟!!
مع كثرة شكوى (بهيسة) لم يكن بيد (عبد الله) سوى حضها على الصبر، فشقيقتاه لابد طال الزمن أو قصر أن يأتيهن السعد ويغادرن لبيوت ازواجهن، أما والدته الحبيبة فمهما بدر منها فلا خير فيه ان لم يبرها ويحسن صحبتها، ولن يجيء يوما ليقف امامها ليلومها على فعل اتته، وكل ما على (بهيسة) ان تصبر عليها وتعاملها بالحسنى لان الحسنة معطت شارب الاسد ..
لم تصبر (بهيسة) وكثرت بينها وبين نسابتها المشاكل، فقد عادت لبيت ابويها ورفضت العودة الا بعد ان يؤجر لها زوجها بيت منفصل، فلم يكن هناك مناص من الطلاق لانها خيرته بينها وبين أسرته .. الغريب في الامر أنه لم يمض عام حتى تزوجت شقيقتي (عبد الله) في يوم واحد وغادرتا البيت، وقبل ان ينقضي عام آخر كانت والدته قد أسلمت الروح لبارئها إثر علة لم تمهلها طويلا، وهكذا جاءت عروس (عبد الله) الجديدة لترث الدار وما عليها (ترمح فيها زي ما عايزة)، ولم يبق لـ (بهيسة) سوى عض بنان الندم والغناء أسفا: (أقول يا ريت زماني الفات يعود تاني).

 

 

(أرشيف الكاتبة)