هيثم كابو

قناعات سريعة الذوبان


* لم يشفع له البتة كونه (صائد الهرمين)، ونسي الناس لحظتها أن (شاعر الثورة والعاطفة) أحمد شفيق كامل هو صاحب كلمات (لقاء السحاب) الذي وضع أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب في لوحة واحدة اسمها (أنت عمري) عندما جمع الرئيس جمال عبد الناصر (الست) و(موسيقار الأجيال) وطلب منهما أن يتعاونا في عمل فني بعد أن كانا على خلاف حاد في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم، وعاشا فترة قطيعة بسبب التنافس على قمة الطرب حتى اعتزل عبد الوهاب الغناء وتفرغ للتلحين تماماً.

* قالوا لشفيق الذي غنت له أم كلثوم وعبد الحليم ووردة أجمل الأعمال الغنائية التي عرفتها مكتبة الغناء العربي: “كيف كنت تتغزل في عبد الناصر، وتمجد حكمه، وتغض الطرف عما فعله رجاله وأنت شاعر ينبغي أن تكون صوتاً للحق وضميراً للأمة؟”.. حز في نفسه جداً ما قالوه في (أيام السادات) عن قصائده التي كتبها عن الزعيم جمال عبد الناصر رغم علمهم التام أنه صاحب أشهر الأغنيات الوطنية التي كتبها عن مصر لا عمن حكموا مصر، فيكفي أن في رصيد صاحب (خلي السلاح صاحي) أكثر من مائة أغنية وطنية يحفظها الملايين كوثيقة (حكاية شعب) التي غناها عبد الحليم حافظ ورسمت تفاصيل قصة بناء السد العالي، كما أنه صاغ حروف نشيد (وطني الأكبر) الذي حشد فيه محمد عبد الوهاب عددا كبيرا من المطربين وكان وقتها أول نشيد عربي يجتمع فيه ذلك العدد من نجوم الغناء العربي على رأسهم (عبد الحليم حافظ، نجاة، شادية، فايدة كامل، صباح، وردة، ونجاح سلام).

* كان شفيق مختلفاً في مرافعته، ومؤمناً بكل كلمة كتبها عن عبد الناصر لذا فإنه رد قائلاً: “كان ناصر يمثل التاريخ والعزة والعروبة والعنفوان والكرامة والأمل لأمة كاملة والمستقبل لدولة رائدة.. كتبت الغناء الوطني وسطرت مئات القصائد في حب مصر، كما أنني أفخر بكل حرف كتبته عن جمال عبد الناصر والرجل الآن في ذمة الله.. أشعر بالعزة تجري دماً خالداً في أوردة القصائد التي سطرتها عن الزعيم القائد.. لم أكن أهدُف للتطبيل لرئيس فما هذه من شيمي، كما أن من كتبت عنه لم يكن في حاجة لذلك.. باختصار إنني تغزلت إيماناً وحباً فقد كتبت الشعر في جمال عبد الناصر بقناعة وسعادة كما يكتب الحبيب في محبوبته)!

* السؤال الذي يفرض نفسه: كم من شاعر وفنان بالمشهد العربي الآن بقناعة أحمد شفيق كامل يكتب بإيمان ويغني بفهم؟.. وهل الحناجر التي تبشر ببرامج الحكومات المتعاقبة والأنظمة المتلاحقة تفعل ذلك بدوافع وطنية وقناعات حزبية، أم أنها تتغنى لمآرب تعرفها بحثا عن مكاسب شخصية؟

* نعم أصحاب القناعات كثر، كما أن الانتهازيين و(متقلبي المواقف من أصحاب المصالح) موجودون في كل قبيلة، ومنتشرون في كل شريحة والقصص التي تحكي مواقفهم كثيرة لذا فإننا لا يمكن أن نسدل الستار دون الوقوف عند قصة مجموعة من المغنين أعدوا أغنية لتمجيد انقلاب هاشم العطا وثورته التصحيحية وذهبوا للإذاعة لتسجيلها وبينما هم يرددون مقطع :

(هاشم العطا صحح الخطا).. إذا بجلبة وضوضاء داخل مباني (هنا أم درمان) فأوقفوا التسجيل وسألوا مراقب الإذاعة: “الحاصل شنو يا أستاذ..؟؟”..فقال لهم: “نميري عاد للحكم وقبضوا هاشم العطا وقوات الأمن جاءت لإذاعة البيان”، وما كان من (فناني الثورة التصحيحية) سوى مواصلة تسجيل أغنيتهم مع (تغيير طفيف) ليصبح مطلع الأغنية:

(هاشم العطا جيتنا بالخطا..!!)

نفس أخير

* يا وطن عز الشدائد!