الطيب مصطفى

ماذا يحدث في دولة جنوب السودان؟!


إذا كان موقع “نايميلوبيديا” قد تحدث عن أن صحة الرئيس سلفاكير تتدهور بسرعة بعد أنباء متواترة عن مرض خطير يفتك بجسد الرجل الذي كثيراً ما يتحامل على نفسه في سبيل الظهور بمظهر يختلف عن حقيقة ما يعاني منه، والذي كثرت التكهنات حوله، سيما بعد واقعة سقوطه في سلم الطائرة المتجهة به إلى بلاده من الخرطوم قبل عدة أشهر، مما اضطره إلى تأجيل سفره، فإن دولة جنوب السودان تعاني أكثر مما يعاني رئيسها ويتهددها الموت بأسرع مما يتهدد سلفاكير الذي قال الموقع المذكور إنه لن يعيش حتى نهاية العام.

موقع “نايميلوبيديا” تحدث عن أن دولة الجنوب يحكمها مجلس يسمي نفسه مجلس شيوخ الدينكا، هو الذي ظل يعمل على تكريس سلطة القبيلة على مفاصل الدولة.

ربما كان ما يقال عن مجلس شيوخ الدينكا يحكي عن جزءٍ من الحقيقة بالنظر إلى ما ظل يجري في الدولة الجديدة قبل عقود من تخلقها. فقد كان الدينكا ولا يزالون يعتبرون أنفسهم سادة الجنوب، وتحضرني قصة جوزيف لاقو زعيم حركة أنيانيا الذي مهر اتفاقية أديس أبابا مع الرئيس نميري عام 1972م، ولكنه سرعان ما سعى لتعديلها بما ينهي هيمنة الدينكا ويقسم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم، بعد أن كان تحت سلطة إقليمية واحدة. ومعلوم أن جوزيف لاقو ينتمي إلى قبيلة استوائية صغيرة تسمى (المادي).

صنيع نميري وهو يستجيب لرغبة جوزيف لاقو كان من الحيثيات التي ساقها قرنق لإعلان تمرده في مايو 1983م، وكان من ضمن ما أثار غضب النخب الدينكاوية بمن فيها أعقلها (أبيل ألير) الذي لم يعصمه المركز والمنصب المرموق الذي كان يشغله كنائب للرئيس نميري من أن يؤازر قرنق عندما اشتعل التمرد لأول مرة، بل إن أبيل ألير وثّق لتلك الواقعة بغضب شديد في كتابه الذي رصد فيه بكثير من التزوير والتضليل ما قال إنه نقضٌ للعهود والمواثيق من الشمال في حق الجنوب.

الاستوائيون الذين كانوا يخشون من بطش الدينكا الذين اتخذوا عاصمة الاستوائية الكبرى جوبا عاصمة للدولة الجديدة، والذين كانوا يلوذون بالصمت مكتفين بالفتات مما ينعم به الدينكا على قياداتهم مثل كلمنت واني إيقا وغيره، أغراهم مؤخراً تصاعد وتيرة الثورة على دولة الدينكا وعلى سلفاكير، فأخذوا يتململون ويعلنون عن تأييدهم للثورة التي يقودها د.رياك مشار وكثير من القيادات العسكرية الجنوبية.. إذن فإن دولة الدينكا باتت تمور بالثورة من شمالها ومن جنوبها الاستوائي ومن مناطق أخرى في شتى أنحائها.

تصاعد الثورة على سلفاكير من تلقاء الولايات الشمالية بعد سقوط ملكال وسيطرة مشار على حقل فلوج النفطي بعد احتلاله لمدينة أكوك المجاورة، واحتلال مناطق شاسعة من ولاية جونقلي التي بدأ قرنق تمرده عام 1983م من عاصمتها بور، أفقد كثيراً من قيادات الدينكا الثقة في قدرة سلفاكير على حسم التمردات التي تعصف بالجنوب، ولذلك كثر الحديث عن خطة يعمل رئيس أركان الجيش الشعبي بول مالونق على إنفاذها للإطاحة بسلفاكير من خلال قيامه ببعض المناورات لجمع السلاح حتى يكون تحت سيطرته تحسّباً لأي قرار يصدره سلفاكير بإقصائه بعد أن تواترت أنباء عن خلافات بين الرجلين.

على أن الحديث عن مجلس شيوخ الدينكا لا يعكس كل الحقيقة، ذلك أن القرارات السيادية في دولة الجنوب تصدر من يوغندا التي تسيطر على الشأن السياسي كما يسيطر جيشها على الأوضاع بصورة عامة أو على الأقل إدارة المعارك وتولي التدريب، وذلك ما أثار حفيظة بعض القيادات العسكرية في الجيش الشعبي التي تعتبر أن سلفاكير أصبح ألعوبة في يد الرئيس اليوغندي موسيفيني، هذا فضلاً عن اعتلال صحته.

دولة الجنوب على شفا الانهيار، ولذلك لا غرو أن تبث سفارتهم في الخرطوم شكاواها عن دعم الخرطوم لرياك مشار بالرغم من أن ذلك يعكس كثيراً من قلة الحياء باعتبار أن السفارة المغلوبة على أمرها تعلم أن قيادات الجبهة الثورية تقيم في جوبا كما تعلم أن قوات جبريل إبراهيم التي تلقت ضربة قاصمة خلال الأسابيع الأخيرة في منطقة (قوز دنقو) لم تتحرك إلا من جنوب السودان.

الأوضاع المأزومة في دولة جنوب السودان تتطلب أن يعكف السودان على وضع إستراتيجية للتعامل معها، مما ظللنا ندندن حوله منذ سنوات، ذلك أن انفجار الأوضاع عقب زوال سلفاكير سينشئ كثيراً من التداعيات التي نحتاج إلى التعامل الحاذق معها، فهلاّ تحركنا قبل فوات الأوان؟.


تعليق واحد

  1. – فهل تحركنا قبل الأوان؟ – أي نوع من الحركة في بالك أم تحسب نفسك ترمي بحجر في ماء راكد، أو ليس الوضع الحالي في الجنوب، بغض النظر عن موجاته الإرتدادية، هو الوضع الذي يجعلك تهتز طرباً.