عبد الباقي الظافر

بت الشيخ..!!


مالت انتصار برأسها على الكرسي الوثير كأنما كانت تبحث عن السماء في تلك اللحظة ..لاشعوريا كانت تتحسس بطنها التي تحمل في أحشائها طفلا..غدا ستخضع بمستشفى فرانكلين لعملية إجهاض ..لا أحد من الجالية السودانية بمدينة أتلانتا يعلم بهذا السر..لهذا جاءت لمركز إيواء ضحايا العنف الأسري..من هنا ستجد رفيقة تمضي معها للمشفى..ليس هنالك خيار سوى الإجهاض ..ماذا لو عرفت أسرتها ذات المركز الصوفي في السودان .
في هذه اللحظة رن هاتفها الجوال..حملت الهاتف ثم ردته إلى مكانه بعد ان كتمت صراخه اللحوح..لا أريد أن أسمع صوت هذا الرجل التافه..أغلب الظن أنه يريد أن يتأكد أنني سأتخلص من عاره ..في ذات اللحظة سألت نفسها: أهي ضحية كما تصور لها الباحثة الاحتماعية مس روبسون أم إنها شريكة في الخطا الفادح ..كان بالإمكان أن تكون الآن بين يدي أسرتها في شمال الجزيرة..أغلب الظن أنها ستكون قد أكملت تعليمها الجامعي..وربما اختارت واحدا من أبناء المسيد ليتزوجها على كتاب الله وسنة رسوله.
نزلت دمعة وأخرى ..بدأت الرحلة من مدينة القلابات بشرق السودان ..لا ..بدأت يوم اعتقالها بعيد مظاهرة طلابية بجامعة الخرطوم ..أحد كوادر الحكومة هددها..ربما كانت تلك المرة الأولى أن تسمع تلك الكلمات العاريات..حين جاء المساء كان أحد العسكر يهتف باسمها ..ظنت الأمر نوبة تحقيق ..حينما مرت نحو مكتب مدير القسم وجدت الصافي زوج شقيقتها ..الضابط اعتذر لها ..إنهم لم يكونوا يدركوا أنها ابنة الشيخ..حاولت ان تمارس دور المناضلة وترفض الخروج إلا مع الزملاء والزميلات ..كلما فعله الصافي أن مد لها يده بالهاتف المحمول..كان والدها شيخ الطريقة المعروف في الناحية الأخرى ..كلمة واحدة جعلتها تبحث عن باب الخروج.
منذ ذلك اليوم قررت ان تخرج من البلد..أسرت لمسؤول التنظيم برغبتها..المسؤول رفع الالتماس الى اللجنة المركزية ..المشكلة دائماً كانت الاسم التجاري لانتصار..منذ ان التحقت بالتنظيم اليساري كان اسم أسرتها يسبقها..الوصول الى معقل ذاك البيت المرموق كان إنجازا للحزب بالجامعة ..بعد أسابيع جاءت الموافقة المركزية على أن يتم تهريبها بشكل درامي يحسب كانتصار سياسي..تم تغييب الشابة تحت الأرض لنحو شهر..كل الصحف تتحدث عن اختفاء المناضلة اليسارية في ظروف غامضة .
في ذات مساء تم أخبارها ان العملية ستتم في فجر الغد..لم تكن تعرف التفاصيل ..في الرابعة صباحا توقفت عربة (بوكس ) امام البيت ..لم تكن نائمة لتستيقظ..إنها المرة الاولى التي تواجه المجهول..وجدت نفسها في عهدة ثلاثة شباب..لا تدرك إن كانوا من عضوية الحزب أم مجرد إجراء ..كانت تعلم ان المرحلة الاولى من العملية ستنتهي بأديس أبابا..حينما جلست في مقدمة العربة وجدت من يشير إليها بإفساح المجال..كان المكان المخصص لشخص واحد بالكاد يسعها والرجل الغريب..دق قلبها بشدة..الشاب ذو الشارب كان مهذبا ..ما أن ترك المدينة وراءه حتى أخلى لها المكان بالكامل ومضي الى حيث رفيقه بالصندوق الخلفي للسيارة.
لم تمكث انتصار سوى أيام قليلة ووجدت نفسها في السفارة الأمريكية في أديس أبابا..سالت نفسها كيف للرفاق ان يختاروا لها معقل الرأسمالية كملاذ آمن..بعد ايام قليلة حطت انتصار بآمالها وأحلامها في مدينة أتلانتا الأمريكية ..أخبروها أنها ستكون ضيفة على أسرة البروف..اختاروا ذاك المكان لأن رب البيوت يعول أسرة فيها بنات في عمرها..حينما وصلت تلك الدار وجدت الدنيا غريبة..البروف متزوج من زنجية أمريكية ..بناته الثلاث بعد ان بلغن سن الرشد خرجن يضربن في الأرض ..واحدة في جامعة جورجيا وثانية مضت مع صديقها بعد أن وجدا فرصة عمل في ولاية نيوهامشير..الثالثة تعمل في ذات المدينة ولا تزور الأسرة إلا بمناسبة عيد الميلاد.
منذ اللحظة الاولى رفض البروف ان يضع الضيفة في مقام بناته..كان الرجل المثقل بأعباء حياة فرضت عليه يبحث عن سانحة للهروب..حاولت أن تقاوم ذاك الشعور الصادم ..لم يكن هنالك مجال..سيدة البيت تعمل ممرضة ناجحة لا شيء يشغلها سوى العمل..حينما فوجئت بالكارثة طلبت من البروف أن يتزوجها..أخبرها أنه لا يستطيع..خرجت من ذاك اليوم ولم تكن تعرف إلى أين المفر..بعد ان استفسرت الإنترنت وجدت الملاذ في دار الإيواء بالطرف الجنوبي من المدينة الضاجة بالحياة .


‫2 تعليقات

  1. شمال الجزيرة……………المسيد…………بت الشيخ…….جامعة الخرطوم……..الحكومة…………اليسار….السفارة الامريكية
    ما الذى تريد ايصاله يا الظافر وتتحرج منه………….لدرجة تجعلك تلبس ثياب قاص

    1. والله فعلاً شئ يحير يا Ogall، تعليقك أجمل من هذه الحكاية المفتعلة …… المبتورة.