جمال علي حسن

(أم قسمة) جديدة.. لكل افتتاح


هذا تعليق متأخر على المبادرة الإنسانية المذهلة لشباب شارع الحوداث بتجهيز غرفة عناية مكثفة للأطفال بمستشفى محمد الأمين حامد بأم درمان، بكلفة بلغت 2 مليون جنيه جمعوا تبرعاتها من أيادي الخير السودانية.. عوائد تحويل الرصيد.. تبرعات بعض المغتربين بالخارج والمؤسسات ومن الشارع السوداني الأصيل المتكافل الذي يتقاسم أهله (النبقة)..

المبادرة تؤكد أن هذا الجيل من شباب وطلاب السودان فيه الخير الكثير لمجتمعه، برغم أنه جيل مكافح صنع نفسه بنفسه، لم تتوفر له الفرصة التي توفرت لأجيال سابقة كانت الدولة تتبنى تعليمهم وسكنهم في الداخليات وإعاشتهم، حين كانت الدولة تكفل الطالب السوداني بالكامل وتدفع له من خزانة الشعب السوداني كل تكاليف تعليمه وسكنه وإعاشته وبرغم ذلك لم يفرز ذلك الواقع القديم مثل هذه الروح التي نراها في جيل شارع الحوادث وإحساسهم العميق بالمجتمع.

مبادرة (شارع الحوادث) لا يجب أن نتعامل معها إلا بالتشجيع والتحفيز والدعم الكامل لها لأنها تعبر عن دور حقيقي وفاعل للمجتمع المدني.. وهذا الدور في طبيعته يدعم عمل الدولة بتبنيه لجزء من الأعمال التي هي من صميم مسؤولية المؤسسات الرسمية، وبالتالي فإن واجب الدولة وواجب الصحافة الوطنية الواعية هو دعم وتحفيز هذه المبادرات التي تخدم المجتمع..

وفي تقديري أن قيام هؤلاء الشباب باختيار سيدة وأم سودانية بسيطة عاملة ومكافحة لقص شريط افتتاح غرفة العناية المكثفة تكريماً لها بتقديرات إنسانية قدروها فإن ذلك من حقهم وهم أصحاب المبادرة وأصحاب المشروع.. يجب احترام عقولهم ووعيهم واحترام تقديراتهم لأن تلك العقول وتلك التقديرات هي التي ولدت فكرة المشروع من الأساس وجعلتهم يقررون تنفيذ حملة التبرعات لتجهيز غرفة العناية المكثفة في هذا المستشفى..

أما محاولة التشويش حول أهداف ونوايا هؤلاء أو الحديث عن التنسيق المطلوب مع إدارة المستشفى فمن الطبيعي أن هناك تنسيقا موجودا ولو بالحد الأدنى الذي يساعد في تنفيذ العمل وأنهم قاموا بعملهم هذا تحت نظر إدارة المستشفى ولم يقتحموا أسوار وزارة الصحة أو سور هذا المستشفى بالقوة لإقامة هذا الافتتاح بل دخلوها بيد بيضاء..

على وزارة الصحة أن تشجع هذه المبادرات الشبابية بحمايتها من رعونة مداد الإحباط والتشويش والتشكيك، وإبعاد وساوس التصنيف السياسي عنها، ولو كنت مكان وزير الصحة لبعثت برسالة شكر وتقدير لشباب شارع الحوادث على إحساسهم النبيل بهذه الأم السودانية المكافحة التي قاموا بتكريمها وجعلها تقوم بقص شريط الافتتاح، لأن هذا العمل الخيري نابع من المجتمع ولو كانت رمزية هذه الأم ملهمة ومحفزة للخيرين لتقديم دعمهم لمشروعات شارع الحوادث فليكن قص الشريط في كل مرة مبتكراً ومفعماً بمعانٍ إنسانية نبيلة كالتي جسدها هذا المشهد النبيل.. لا غضاضة في ذلك إطلاقاً، بل العكس تماماً، مثل هذه الفعالية البسيطة من شأنها إحياء روح التكريم والتقدير غير الانتقائي في مجتمع يستحق أهله التكريم على صبرهم وقدرهم..

هنيئاً لشباب شارع الحوادث.. وهنيئاً لهذا الوطن بهم، وبكل من يحمل قلباً صادقاً ينبض بآلام الناس وفقكم الله وسدد رميكم .

شوكة كرامة

لا تنازل عن حلايب وشلاتين.