عبد الجليل سليمان

حواء.. أنجيليك كيدجو


سألني صديقي: لماذا لا يلتفتون إلينا؟

كان ذلك مطلع فبراير المنصرم عندما دعوته لجلسة استماع عابرة للمطربة الأفريقية (البنينية) أنجيليك كيدجو، والتي كنت حينها قد عرفتها للتو عبر الموقع الإلكتروني لصحيفة (لو فيجارو) الفرنسية واسعة الانتشار، التي احتفت على صفحتها الأولى بفوز (كيدجو) بجائزة (الجرامي أوورد) للعام 2015 عبر إلبومها الموسم بـ(إيف) أي حواء. وكان نقاد ومهتمون وجمهور من كل أرجاء العالم (عمدوا) الفنانة البنينية فنانة أفريقيا الأولى، واعتبرتها (لو فيجارو) أشهر مطربي القارة.

ليس لديّ ما أقول يا صديقي، لأنني إن أردت الإجابة عن سؤالك فسأطالبك بتغيير صيغته التي تبدو تقليدية حد الملل، فقد دأب قبلك بعقود طويلة من نسميهم بالرعيل الأول من المثقفين على طرح ذات السؤال بذات الصيغة، ولم يجدوا إجابة حتى الآن! لذا دعني أسهم معك في تعديله، فليكن: (لماذا لا نلتفت إليهم؟).

للأسف، نحن لا نعرف شيئا عن أفريقيا، لا نجهلها فقط، بل نتجاهلها عن قصد، فالسلطات المركزية (سياسية وثقافية وفكرية) ظلت تكرس عبر خطابها المتواتر و(المتوتر)، أننا (عرب أقحاح)، ليست لدينا علاقة بأفريقيا عدا تموضعنا الجغرافي داخلها.

ورغم أن هذه الفرضيِّة على عِلاّتها، تمثل سبباً كافياً لجعلنا أكثر تفاعلاً مع محيطنا وانفعالنا به، إلا أننا لا زلنا ننتج خطاباً بائساً، ننصرف به عن جوهر تكويننا الوجداني والنفسي والثقافي إلى ما هو أبعد نسبياً، فنصطدم به ونرتد على أعقابنا خائبين ومنهكين ومغبونين.

لن يحتفي العرب كثيراً بوردي، شرحبيل، سيد خليفة، عمر إحساس، وخلافهم، إلاّ بمقدار اقتراب غنائهم من أصوله الأفريقية، وهكذا حققت أغنيات مثل (المامبو السوداني، وإزيكم) من الشهرة والذيوع (أفريقياً وعربياً) ما لم تحققه (شذى زهر)، و(مريم الأخرى).

من لا يفهمون لغتك، قدّم لهم موسيقاك وإيقاعك، هذه قاعدة ذهبية يا صديقي، فلا يمكن أن تتوقع احتفاء عربيا بك وأنت تقدم لهم من المعزوفات (العود والقانون) ومن الغناء ما هو مكتوب بلغة (لبيد إبن أبي ريبعة)، وتريد منهم أن يعلقوه على حدائق بابل، وأستار الكعبة.

أثناء تسلمها الجائزة الرفيعة خاطبت المطربة الرائعة أنجليك كيدجو الجمهور والمنصة ونساء أفريقيا بكلمات نضيدة ورائعة، قالت: أنتن رائعات، بالنسبة لي فالموسيقى هى سلاح السلام واليوم أكثر من أي وقت مضى، فإن الفنانين مطالبون بلعب دور مؤثر وفعّال في استقرار العالم.

ثم رقصت تعبيراً عن فرحتها بالجائزة.

الآن تتقدم أفريقيا باطراد فيما نتراجع نحن بذات القدر، وكي تتعرف على ذلك فما عليك إلاّ الاطلاع على قوائم ترتيب الدول في كافة المناحي حتى تتعرف على موقعك في الرياضة، الفن، الاقتصاد، الديمقراطية، التنمية، التعليم، الزراعة، الرفاه الاجتماعي وإلى آخر القائمة. حينها سنقترب من ذواتنا أكثر ونتصالح مع أنفسنا ونتخلص من الخصومة غير اللائقة مع محيطنا الأفريقي.