منوعات

الحرب أبدلت دعمه لخزانة الإقليم بالإغاثة “برتكان أبوصرة” وحنين الماضي لفواكه دارفور وجبل مرة


جبل مرة بطبيعته الساحرة في مخيلة السودانيين يكتمل توصيفه بـ(البرتكان أبو صرة)، لكن سرة المنطقة المقبورة بصراعات أهلها أصبح خيطها عاجزا عن الامتداد في متبقي البلاد، قد تصيبك الدهشة وأنت تتجول في أسواق جنوب دارفور خاصة (سوق الملجة) الذي يعتبر من أكبر أسواق البرتقال بحاضرتها نيالا، وتجد (فترينات) الفاكهة وهي تعرض البرتقال المستورد من مصر، وبين اصفرار القادم من هناك وصفرة واقع الموت حكايات يسردها العجز عن الوصول لإنتاج طبيعي أجود صحيا من ذلك الذي يعرض في شوارع سوق (جاكسون)، بالخرطوم، بدلا من (أبوصرة) الذي حرم مواطن الخرطوم من تذوقه بسبب الحرب.

“برتكان أبوصُرة امسكا جُرّا من قبيل ما فينا دابو جينا”، هكذا يتغنى أهل دارفور لفاكهة الجبل في مناسباتهم واحتفالاتهم، ويقصدون أنهم أتوا لسوق الفاكهة للحصول على أجود أنواعها والجبل سلسلة ممتدة داخل ولايات وسط وشمال وجنوب دارفور، فالبرتقال (أبو صرة) يرتبط باقتصاد المنطقة حيث تشتهر بأجود أنواعه.

لكن الحرب أدت إلى نزوح بعض أصحاب جنائن البرتقال إلى المدن، بحثا عن الأمان، وتحولت بعض الجنائن لثكنات للمتمردين، فاستفادوا من الثمرة وحولوا الفائدة إلى خراب ودمار عبر الحرب.

وكان برتقال (أبو صرة) يرفد خزانة دارفور على عهود السلاطين بالأموال، حتى استطاع السلطان علي دينار – المولود بشرق جبل مرة بالقرب من حدائق البرتقال، على أيامه – نتيجة لتحسن اقتصاد الإقليم، من حفر آبار سقيا الحجاج بمنطقة الحجاز بجانب كسوة الكعبة حيث يسير المحمل من الفاشر إلى مكة المكرمة.

ولقد تجسدت في الوقت الحالي، المعاناة بعد غياب ريع البرتقال والقريب فروت والمانجو واليوسفي والجوافة وتفاح جبل مرة وقرين فوستر، بجانب عدم الاستفادة من أشجار القنبيل والبان والسيسبان والرطرط الذي يستخرج منه صمغ اللبان، وتتبدى المفارقة في استيراد السودان لصمغ اللبان حاليا من الهند.

فواكه وأشجار كانت تثمر معظم شهور العام، فيستفاد من ثمرها، فتبدل الحال إلى تحريك قوافل الإغاثة من أنحاء الدنيا إلى دارفور.

ولقد غنى الشعراء وأهل الفن لخضرة جبل مرة وطبيعته الساحرة ومنهم الفنان خليل إسماعيل: “لو زرت مرة جبل مرة يعاودك حنين طول السنين، وتشعر كأنك جوة جنة”، وعبد الكريم الكابلي في رائعته التي تغنى بها أيضا أبو عركي: “لوحة فنان تمحى الأحزان.. صفرة وحمرة زرقة وخضرة وزحمة نضرة زهر ريان نادي وبسام بالحيل داير ريشة رسام”، لكن الحرب أبت إلا أن تحول الجنة إلى جهنم فهرب الإنسان والحيوان، وتساقطت الأشجار.

صحيفة اليوم التالي