جعفر عباس

حكاية واحدة وسؤال واحد


أحببت أن تشاركوني هذه الحكاية اللطيفة التي وردت إليَّ عبر البريد الإلكتروني: ظلا متزوجين لستين سنة، كانا خلالها يتصارحان بكل شيء، ويتشاركان كل شيء، ويسعدان بقضاء كل الوقت في الكلام أو خدمة بعضهما البعض، ولم تكن بينهما أسرار، ولكن الزوجة العجوز كانت تحتفظ بصندوق فوق أحد الأرفف، وحذرت زوجها مرارا من فتحه أو سؤالها عن محتواه، ولأن الزوج كان يحترم رغبات زوجته فإنه لم يأبه بأمر الصندوق إلى أن كان يوم أنهك فيه المرض الزوجة وقال الطبيب إن أيامها باتت معدودة، وبدأ الزوج الحزين يتأهب لمرحلة الترمل، ويضع حاجيات زوجته في حقائب ليحتفظ بها كتذكارات، ثم وقعت عينه على الصندوق فحمله وتوجه به إلى السرير حيث ترقد زوجته المريضة، التي ما إن رأت الصندوق حتى ابتسمت في حنو وقالت له: لا بأس.. بإمكانك فتح الصندوق.
وفتح الرجل الصندوق ووجد بداخله دميتين من القماش وإبر النسج المعروفة بالكروشيه، وتحت كل ذلك مبلغ 25 ألف دولار، فسألها عن تلك الأشياء فقالت العجوز هامسة: عندما تزوجتك أبلغتني جدتي أن سر الزواج الناجح يكمن في تفادي الجدل والنق (النقنقة)، ونصحتني بأنه كلما غضبتُ منكَ أكتم غضبي وأقوم بصنع دمية من القماش مستخدمة الإبر وجدائل وخيوط القطن والبلاستيك. هنا كاد الرجل أن يشرق بدموعه: دميتان فقط؟ يعني لم تغضبي مني طوال ستين سنة سوى مرتين؟ ورغم حزنه على كون زوجته في فراش الموت فقد أحس بالسعادة لأنه فهم أنه لم يغضبها سوى مرتين. ثم سألها حسناً، عرفنا سر الدميتين ولكن ماذا عن الخمسة والعشرين ألف دولار؟ أجابته زوجته: هذا هو المبلغ الذي جمعته من بيع الدمى!!!
هل فهمتم مغزى الحكاية؟ السؤال موجه فقط إلى الرجال المتزوجين، وبما أن بعضهم قد «يعمل حاله عبيط وغير فهمان» فسأشرح مغزاها: كون زوجاتنا باسمات أو غير شاكيات لا يعني بالضرورة أننا لا نغضبهن وننغص حياتهن، بل يعني أن معظمهن صبورات ويسكتن حتى على الإساءة والتجريح كي يبقى «البيت» متماسكاً، أي منعاً، للنكد والزعل والمناكفات والملاسنات التي قد تؤدي إلى العنف الجسدي، وربما لانهيار الحياة الزوجية وما يعنيه ذلك من طلاق ومحاكم ونزاعات حول حضانة الأطفال!
ولكن لا بد أيضاً من طرح نفس السؤال على النساء المتزوجات… بلاش استعباط، فالمغزى واضح: الإكثار من الشكوى والنق والطنطنة قد يؤدي إلى خراب البيوت، في حين أن كظم الغيظ والصفح يسد الباب في وجه الضغائن والكلام الذي يجر الكلام والذي قد يجر بدوره إلى أبغض الحلال.. زوجك ليس ملاكاً، ومن الطبيعي أن يخطئ ويقصر فسامحيه مرة وثلاثا، ثم انصحيه بالكلمة الطيبة.
اقتدوا بتلك المرأة الحكيمة التي كانت كلما أغضبها زوجها لا تنفعل وترد له الصاع صاعين، بل كانت تأتي بإبرة وتشكها (تغرسها) في قِطع القماش، وتنهمك في صنع الدمية، فتخف ثورة الغضب. أغضبها زوجها آلاف المرات فترجمت الغضب إلى دمى وترجمت الدمى إلى آلاف الدولارات، وعاشت هانئة البال حياة خالية من السجال والقيل والقال.
ولدينا مثل في السودان مؤداه أن كثرة العتاب تزيد الجفاء.. ومثل آخر يقول إن عدم الملام أيضاً ملام! يعني عندما يخطئ شخص ما ويلاحظ أن مَن حوله لم يلوموه أو يعاتبوه على خطئه، فإنه يحس بأن صمتهم أقسى من اللوم المعلن.. أنظروا كم منا يخطئ أثناء قيادة السيارة وكيف أنه لولا يقظة الآخرين لكان الكثير منا من الهالكين.. يعني حتى في الشارع العام هناك أناس لا يعرفوننا يتداركون أخطاءنا القاتلة، فما بالنا لا نتسامح ونحن «أزواج»؟

jafabbas19@gmail.com


تعليق واحد

  1. مافي داعي الي حكاية واحدة وسؤال واحد ولو كل سوداني قرأ المفتاح للدكتور مصطفي محمود فهو يحمل الاجابة الكافيه الشافية لكي يدوم الحب بين القلوب العاشقة اقروأ معي هذا

    http://canalnewss.com/?p=16567