حيدر المكاشفي

بل كان حارس مرمى


لست من أنصار التعاطي الصحفي الذي يتم على طريقة (أسرار) و(الحيطان ليها آذان) و(قالت العصفورة)، وهلمجرا من تسميات ترد تحتها بعض المعلومات مجهولة النسب والمصدر، ويكتنفها قدر غير قليل من الغموض وكثير من الغمزات والتلميحات التي تمس أشخاصاً أو مؤسساتٍ أو دولاً، وذلك لسبب بسيط هو أن مثل هذا التعاطي يصادم بل ويضرب في الصميم أحد أهم واجبات الصحافة ووظائفها في ضرورة توخي نقل الحقائق والوقائع كما هي بلا تلوين، وإيصال المعلومة كاملة بلا نقصان أو زيادة، ومن أراد غير ذلك فله في مساحات الرأي والتعليق مكان رحب، ومهمة الصحافة هنا هي أن تزيل الغموض أينما وجدته، لا أن تمارسه، وأن تملّك القارئ المعلومات بكل وضوح، لا أن تدلّس عليه وتجعله نهباً لأي التباس، وأن تشرح وتفسر لا أن (تدغمس) و(تتلولو)، ولكن رغم ذلك هناك صحف وصحافيون ومدارس صحفية تناصر هذا الاتجاه وتفرد له مساحة ثابتة، غالباً ما تكون في أبرز صفحتين، الأولى أو الأخيرة، وربما يجادل مناصر أو ممارس لمثل هذا التعاطي الملتوي بأن لغة الإشارة والرمز والغمز قد تكون ضرورية لإثارة الموضوع ولفت انتباه من يهمهم ويعنيهم الأمر عندما يكون الصحفي ليس على يقين تام بما عنده من معلومات لم يستطع لسبب أو آخر الاستيثاق منها والتثبت لكي ينشرها وهو مطمئن القلب، وربما يجادل آخر بأنها إشارات خاصة لفئة مخصوصة ستفهم كل حرف فيها وهذا هو المطلوب، بالنسبة للمناصر الأول فإن جدله لن يغير شيئاً من حقيقة كونه يصادم واجباً صحفياً لا تتم الصحافة المهنية الحقيقية إلا به، بل إن ذلك قد يوقعه تحت طائلة الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، وبالنسبة للثاني فالأمر أيضاً سيان، فلا إشارات وترميزات و(كوديات) خاصة لفئة مخصوصة أياً كان حجمها في شأنٍ عام يهم الكافة في الفضاء الممتد، من الذي (يا دوبك يفك الخط) وإلى البروف في اللغة العربية، فلغة الصحافة يجب أن تتسم بالوضوح والبساطة وتبتعد عن التعقيد و(التقعيد) والتقعير والتلاعب بالألفاظ..
على كل حال هذا جدل يطول ليس هذا مكانه وإنما اقتضته مناسبة هي مثار تعليقنا، فقد كتبت الغراء (المجهر) أمس في بابها الموسوم (عيون وآذان)، أن البروف غندور مساعد الرئيس في القصر ونائبه في الحزب، كان يمارس كرة القدم ويلعب في خانة الجناح الأيمن، وجاءت إشارة الصحيفة لهذه المعلومة غير الصحيحة، عطفاً على خبر انضمام أحد أنجال البروف لفريق هلال كادقلي للعب له محترفاً لمدة ثلاث سنوات، الصحيح أن البروف كان يلعب في خانة الحراسة، وحرس من قبل مرمى هلال الدويم ومنتخب جامعة الخرطوم، ولكنه بالقطع لم يكن في مستوى الحارس الفذ حامد بريمة الذي حرس مرمى المريخ الذي يشجعه البروف، ولكن المؤكد أنه لم يكن مهمشاً على رأي السياسي الداهية المرحوم فليب عباس غبوش، الذي كان يرى في لعب بريمة في مؤخرة الفريق وليس مقدمته ضرباً من التهميش، أما إذا أردتم وضعية غندور السياسي الآن، فستجدونه كالجوكر يلعب كل الخانات.