الطيب مصطفى

عندما يتدهور قطاع الاتصالات!


رغم تدهور خدمات الاتصالات التي تردّت بشكل مدهش خلال السنة الأخيرة حتى في المدن الكبرى التي يفترض أنها محل اهتمام شركات الاتصالات، بالنظر إلى أن معظم إيراداتها تتدفق من سكان تلك المدن، أجدني متعاطفاً مع شركات الاتصالات التي أثرت الأوضاع الاقتصادية غير المواتية عليها بشكل كبير.
ما عاد بمقدور شركات الاتصالات تحسين شبكاتها بسبب عجزها عن تحويل أرباحها إلى الخارج، وبالتالي الصرف على تحديث أجهزتها وتحسين خدماتها، وليت بنك السودان يترفق بهذه الشركات ويعلم أن قطاع الاتصالات من أكبر المساهمين في دعم الاقتصاد القومي من حيث الإيرادات التي تأتي من الضرائب، خاصةً الضريبة الضخمة على الإيرادات وضريبة القيمة المضافة التي تزايدت خلال السنوات الأخيرة على هذا القطاع الحيوي بصورة لا سابق لها، أو شبيه في أيٍّ من قطاعات الاقتصاد الأخرى.
الغريب بحق أنه بسبب تناقص قيمة الجنيه السوداني انخفضت أسعار خدمات الاتصالات، الأمر الذي جعل الشركات تشكو من أن إيراداتها بالعملة الحرة قد تناقصت كثيراً مقارنة بالسنوات السابقة، ذلك مما يصعب من مهمة – الجهاز التنظيمي – الهيئة القومية للاتصالات التي وجدت نفسها في وضع حرج يغل يدها من أن تمارس دورها الرقابي على الشركات أمراً ونهياً، كما كانت تفعل في السابق قبل تدهور الأوضاع الاقتصادية.
ذلك ما يجعلني أتعاطف كذلك مع الهيئة القومية للاتصالات التي تضاءل دورها التنظيمي وسطوتها وسلطتها على الشركات التي باتت في موقف المظلوم المطلوب منه السباحة برغم أنه مكتوف اليدين والقدمين، الأمر الذي يلقي على الوزارة المختصة مسؤولية الضغط على الحكومة في سبيل تمكين الهيئة من الاضطلاع بدورها من خلال تطبيق قانون الاستثمار الذي يمنح شركات الاتصالات بل والمستثمرين جميعاً الحق في تحويل أرباحهم وعائدات استثماراتهم.
أخطر ما في الأمر أن المشكلة التي ربما لا يعلم بها القائمون على الاقتصاد، أن الاتصالات تعتبر من أهم قاطرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، سيما مع الانفجار المعرفي والتقني الهائل الذي يشهده العالم، والذي يزيد من الهوة والفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والمتخلفة، ويؤثر كثيراً على مؤشرات التنمية، وللأسف فإن القائمين على أمر الاقتصاد قد لا يدركون أهمية الاهتمام بقطاع الاتصالات، وهذا ما ينبغي أن تضطلع به وزيرة الاتصالات من خلال التأثير على القطاع الاقتصادي الوزاري، ومن ثم مجلس الوزراء. ويحتاج الأمر إلى جرأة وشجاعة قد تقتضي الضغط ولو بتقديم الاستقالة من المركز الرفيع إذا لم يستجب ولاة الأمر لمطلوبات يعتبر السكوت عنها في رأيي خيانة وطنية (عديل كده)!.
شركات الاتصالات لا تعاني من مجرد حرمانها من حقوقها، إنما كذلك من خدمات الاتصالات المجانية التي تضغط على مداخيل تلك الشركات بأكثر مما تضغط على الصحف الورقية التي توشك أن تموت تماماً في الدول الأكثر تقدماً، كما أن الأجيال الجديدة من الخدمات الإلكترونية تحتاج إلى صرف هائل يصعب في ظل أوضاعنا الاقتصادية الاستجابة له.
أعجب ما في الحالة السودانية أن مشتركي الهاتف نقص عددهم في العام 2014م من العام 2013م، وتردت خدمات الاتصالات في وقت تنشر فيه كثير من الطموحات على الهواء حول خدمات الجيل الرابع وبوابة السودان الإلكترونية والحكومة الإلكترونية والسعات العريضة، فهل بربكم من تناقض أكثر من ذلك؟!، هل يعقل أن يصبح الاتصال الهاتفي والأنترنت أسوأ مما كان عليه قبل سنوات، ليس في مناطق ريفية كنا نعمل على تزويدها بخدمات النفاذ الشامل لنصل إلى القرى النائية، إنما في قلب الخرطوم؟ من يقنع المسؤولين أن شركات تقانة الاتصالات في أمريكا واليابان وكوريا الجنوبية تسرع الخطى نحو عالم افتراضي غريب ومدهش، بينما نحن نتردى إلى أسوأ، حيث صرنا نحبو ونتعثر بعد أن تجاوزنا ذلك عبر سنوات؟!.


تعليق واحد