عثمان ميرغني

لماذا تسرق البنوك؟؟


القاضي الأمريكي وجد سوابق متعددة للص الذي أحضروه أمامه في المحكمة.. كلها سرقات للبنوك فقط.. فسأله (لماذا تسرق البنوك فقط؟) ردّ عليه اللص بمنتهى العفوية (سيدي.. لأن البنوك هي المكان الذي توضع فيه الأموال).
واحد من أكثر (الأماكن!!) التي تدور حولها الأموال في السودان هو القطاع الزراعي.. واردات السودان من التقاوى والأسمدة والمبيدات والآليات والمطلوبات الزراعية الأخرى تجعل من القطاع الزراعي أكبر (صينية) تدور حولها الأموال في السودان.
لكن– بكل أسف- رغم أن السودان بلد زراعي مصيره معلق في حبال الزراعة.. إلا أن الأداء في هذا القطاع يكتنفه ظلام دامس.. يحجب الرؤية عن تفاصيل الصفقات التي تجري فيه.. فأنجب هذا الوضع أكبر كارثة مخالفات عرفها السودان في القضية المشهورة التي ارتبطت بشركة الأقطان..
وقضايا أخرى لها- أيضاً- ذات الصيت فلا يمر موسم زراعي دون عرض (فيلم) جديد تضيع فيه أموال مهولة من حرّ مال فقرنا المدقع.. ويخسر الشعب السوداني مرتين.. مرة بالأموال الضائعة عبثاً، وأخرى بما تسببه هذه الصفقات من (صفعات) للقطاع الزراعي فتؤثر على انتاجنا الزراعي، ونفقد فرصاً ثمينة.
البنك الزراعي أحد أهم المؤسسات المرتبطة بالقطاع الزراعي في السودان تحول من مستودع تمويل إلى (تاجر) مشغول بدهاليز الصراع على الصفقات.. وأياد قليلة تحتكر واردات الزراعة بأبهظ التكاليف (الوهمية).. فيدفع المزارع المسكين الثمن مرتين؛ مرة في فواتير (منتفخة) بالأرقام الوهمية المضخمة.. ومرة من (الدعم) الذي تدفعه الدولة عن طيب خاطر لجيوب بضع مستوردين.
الآن بين يدي القارئ في الصفحة الأولى لعدد اليوم خبر مهم تنفرد به صحيفة (التيار).. لو لم يفعِّل السيد حسبو عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية طوال فترة ولايته للمنصب سوى هذا القرار لكفاه.
فقرار نائب الرئيس لم يأت من فراغ.. حيثياته المآسي المتكررة التي ظل الشعب السوداني يتفرج عليها بين الحين والآخر في القطاع الزراعي نتيجة التلاعب بتمويل وشراء واردات هذا القطاع..
قرار نائب الرئيس يحقق قدراً من الشفافية كانت تفتقده عمليات تمويل وشراء المدخلات الزراعية.. لأنها كانت هبة القرار والتحكم الفردي.. تدار بأضيق مصالح فردية.. وقرار النائب يأمر بتشكيل لجنة من عدة مؤسسات حكومية تشرف على جميع هذه الواردات في كل تفاصيلها.. وهذا أضعف الإيمان الذي يمنع الوصاية والاحتكار، ولعبة المصالح الشخصية، وتبادل الأدوار التي (كانت!) سائدة.. وكلمة (كانت) استحقت أن تكون بين قوسين؛ لأنها لا تزال مربوطة بحبال التنفيذ الرشيد لقرار نائب الرئيس.
ربما لا تسمح هذ المساحة لتفصيل القضية، وأثار هذا القرار.. لكني أعدُّ القارئ بالعودة إليها.. لأن هنا مربط الفرس..
هنا.. المكان الذي أشار إليه اللص الأمريكي.. راجعوا القصص التي ضجت بها الصحف في السنوات الماضية.. كلها هنا..


تعليق واحد