مصطفى أبو العزائم

وفي نفسه شيء من (وحدة)..!


(أموت وفي نفسي شيء من حتى).. مقولة لا أعرف قائلها وان كانت قد نسبت للفراء مرة, وللمبرد مرة.. لاستعمالات (حتى) المتعددة التي جعلت شيئاً في النفس منها, فهي تكون إستئنافية وتكون جارة, وتكون عاطفة مثلما هي في المثال الأشهر (أكلت السمكة حتى رأسها).. ما علينا.
المقولة قديمة رسخت في أذهان أبناء وبنات جيلنا منذ أيام الدراسة في المرحلة الوسطى وتلك مرحلة رسوخ المفاهيم والقيم والافكار, إذ تغذت عقول أبناء ذلك الجيل كما تغذت نفوسهم بأن وحدة السودان مقدسة ولا تلاعب بها لذلك حفظنا ذلك النشيد الذي أبى أن يغادر الذاكرة أو المخيلة والذي يبدأ بـ:-
أنت سوداني وسوداني أنا
ضمنا الوادي فمن يفصلنا
نحن روحان حللنا بدنا
منقو قل لا عاش من يفصلنا
قل معي لا عاش من يفصلنا
ولكن ها قد جاء من يفصلنا, ورحم الله الشاعر المعلم الجليل والتربوي الكبير الاستاذ عبد اللطيف عبد الرحمن.
ثورات الربيع العربي انتظرها البعض في بلدانهم سنين عدداً, حتى ان تونسياً كهلاً قالها امام كل الدنيا.. (لقد هرمنا في انتظار هذه اللحظة) ..أما نحن فقد (صدمنا) بعد كارثة الانفصال الذي بدأ منذ لحظة الموافقة على منح أبناء الولايات الجنوبية حق تقرير المصير وتأكد بعد ان تم مصرع مؤسس وقائد الحركة الشعبية السوداني الدكتور جون قرنق الذي حفظ له التاريخ مقولة: ( إنك لن تكون شمالياً ولن تكون جنوبياً ما لم تكن سودانياً في المقام الأول).
بعث الي أخي وصديقي السيد السفير العبيد احمد مروح بمقطع فيديو قصير تم تسجيله من أحد البرامج التلفزيونية في فضائية دولة جنوب السودان قدمته إحدى المذيعات المتمكنات واستضافت فيه الفنان الجنوب سوداني المعروف ابراهيم دينق.
اللغة عربية فصيحة والدارجية سودانية صميمة والثقافة واحدة والآلة الموسيقية المستخدمة هي طمبور الشمال والاغنية أغنية الشايقية بذات ايقاع الدليب المعروف والكلمات للشاعر الغرد السر عثمان الطيب والاداء الرائع للفنان ابراهيم دينق.
مقطع الفيديو قصير لكنه مؤثر.. بل عميق الأثر, استنهض كل مخزون المعارف والقيم الوطنية قبل ان ينقسم الوطن, وليته انقسم فارتاح جنوبه وأراح شماله, لكن المصائب تترى وتتساوق تساوق نياق القافلة واحدة وراء اخرى.. وأرض الجنوب احترقت.. وتهاوت عملة الدولة الوليدة الى مهاو سحيقة وأصبح الدولار يساوي خمسة عشر جنيهاً لان الحدود مغلقة مع بلادنا ولأن يوغندا مثل كينيا رفضتا ان يتم أي تبادل تجاري مع دولة جنوب السودان إلا عن طريق وسيط نقدي (عالمي) هو الدولار..
ونحن هنا.. تأذينا فقد عاد إلينا الذين صوتوا لصالح الانفصال, وجعلونا أمام أمر واقع بعد انفصال اختياري ووحدة قسرية لكنها وحدة مشاعر وإخاء .. لا سياسة.
شكراً أخي الكريم السفير العبيد شكراً فضائية دولة جنوب السودان, وشكراً جزيلاً للفنان ابراهيم دينق, الذي (فات) وفي نفسه شيء من وحدة.