الصادق الرزيقي

العبور للضفة الأخرى


> لا يشغل السودانيين شيء هذه الأيام، أكثر من تشكيل الحكومة القادمة، وتركيبة الحكم المرتقبة. وليس ما يُنشر في الصحف من تكهنات كل يوم هو الأهم، إنما طبيعة عملية فرز الأسماء المقترحة والجرح والتعديل، ومراجعة رزنامات من الأوراق تحتوي ترشيحات، والتبصر في اقتراحات شفهية منقولة للسيد رئيس الجمهورية، ليعجم عِيدان كل ما لديه ليقدمه للمكتب القيادي للحزب، حتى تتم إجازته، ويعلن حكومته التي تقود المرحلة المقبلة، ويتفق كثير من الناس على أنها ستكون أهم خمس سنوات في تاريخ السودان، تحتشد فيها آمال كثيرة وتطلعات، غير أنها مليئة بالمخاوف والإشفاق، لما يواجهه السودان من تحديات جِسام. > ويعاني السودان من مشكلة كبيرة في اختيار القوي الأمين، فليس كل الذين يقدمون للعمل في الجهاز التنفيذي هم الأفضل والأكْفأ، فطبيعة السياسة في كل الدنيا، لا تأخذ كثيراً بهذه المعايير، إلا في بلدان قليلة جداً. فالكفاءة مهما كان صاحبها وما يمثله من حيثية علمية ومعرفية وقدرات ذاتية، لا تعني عند أهل السياسة شيئاً إن لم يكن منتمياً وله ولاء حزبي، أو هناك عوائد وفوائد سياسية من تعيينه. وهذا أُس المشكلات التي أعاقت التطور والنهضة في بلاد كثيرة جراء التعامل بهذه المعايير غير المنصفة وغير البناءة. > في بلدنا نحتاج بالفعل إلى منهج جديد في اختيار الوزراء وكبار مسؤولي الدولة والولاة، من أصحاب الكفاءة والإحاطة العلمية والمعرفية والقادرين على قيادة الشعب وإلهامه، حتى نحقق ما نصبو إليه في النهضة الشاملة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وقيادة عملية الإصلاح الشاملة لمؤسسات الدولة والحكم، وتجارب الدول التي نهضت وتقدمت وتركتنا في مؤخرة الركب، تشير إشارة لا لبس فيها إلى أن المنهج القويم لإحداث التحولات الكبرى في الدول والمجتمعات، كان عمادها وأساسها هو الحكم الرشيد واختيار من يملكون الموهبة والقدرة والخبرة في قيادة وإدارة دفة العمل التنفيذي كله، وتطبيق الأفكار والرؤى التي تقود إلى بر الأمان. > كثير من الكفاءات السودانية أسهمت في نهضة الدول من حولنا وتعمل في مواقع كثيرة في العالم، وكثير من الخبراء والعلماء موجودون في الداخل في شتى المجالات، هم أفضل بكثير من الوجوه التي جربناها واختبرنا قدراتها، ولم تستطع أن تخطو بنا الخطوات المنشودة.. والسيد الرئيس أمامه اليوم أسماء وترشيحات كثيرة، قاسمها المشترك في أغلب الظن هو الولاء الحزبي فقط أو الوزن الجهوي والقبلي والعشائري والمناطقي. فلو لم نتخلص من هذه الجائحة التي عطلت البلاد، ستكون الحكومة القادمة تكراراً دائرياً لذات الوجوه والأسماء، وتبديلاً للمواقع وإعادة إنتاج الشكل القديم للحكومة لا غير. > ليت هذه المرة ينتهج الرئيس نهجاً مخالفاً، ويتبع الحزب الحاكم والأحزاب الشريكة طريقاً آخر، حيث تعتمد محددات ومقيدات جديدة تضبط المعايير والمواصفات والمقاييس في اختيار الوزراء والتنفيذيين في الدولة، وتكون هناك مفرزة جديدة ومعمل مختبري لفحص القيادات القادمة وقدراتها الإدارية والتنفيذية واستيعابها لمشكلات البلاد. فالعالم الذي سبقنا بمسافات طويلة، خاصة الدول التي تشبهنا في العالم الثالث التي نهضت بسرعة فائقة، أخذت بهذه الأساليب والمناهج، وتركت المعايير القديمة والتليدة التي كانت تنظر إلى قيمة المسؤولين والوزراء من ثقوب الأزمات الاجتماعية وعواملها، مثل التوازن القبلي والجهوي وغيره. > لو انتهج السيد رئيس الجمهورية عقب أدائه القسم الدستوري، نهجاً مغايراً ونظر إلى الساحة أمامه وهو قادر على ذلك، واستل منها أنصع السيوف وأحدها، وأمضى السهام وأصلبها، لوجد أمامه حكومة جديدة بدماء جديدة وأسماء جديدة، ستعبر بالبلاد إلى الضفة الأخرى، وستكون السنوات الخمس المقبلات وهي عمر ولايته البادئة الآن هي أخصب سنوات حكمه وأهمها، لأنها فاصلة بين زمنين، فيها الكثير من التطلع وربما الكثير من الخوف أيضاً.


تعليق واحد