جرائم وحوادث

كمال عمر: قوى “نداء السودان” تريد استبدال الجيش بالحركات المسلحة


مقدمة:
انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع المنصرم بالمؤتمر الصحفي الذي عقده المؤتمر الشعبي لمساندة إخوان مصر بعد قرار القضاء المصري القاضي بإعدامهم.. المتداخلون صبوا جل غضبهم على حزب المؤتمر الشعبي وعدّوه بعيداً عن القضايا الداخلية على ضوء وجود قضايا دامية تزامنت مع هذا الحدث، تمثلت في صراع (الرزيقات) و(المعاليا) الذي أزهقت فيه عشرات الأرواح ولم يعقد لها حزب الشعبي مؤتمراً.. وآخرون سألوا عن الدوافع التي عجلت بهذا الموقف في وقت صمت فيه الجميع.. ومن تحدث عدّ ما تم شأناً داخلياً.. (المجهر) رصدت مداخلات الناشطين وأجرت حواراً شاملاً مع الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي “كمال عمر عبد السلام”، دفعت فيه بعدد من الاتهامات التي وردت.. وتناول الحوار كذلك قضية الحوار الوطني وعلاقة الحزب بالأحزاب المعارضة، إلى جانب قضايا الحزب الداخلية.

{ المؤتمر الصحافي الذي عقده المؤتمر الشعبي بخصوص قضية إعدام “مرسي” وأعوانه عرضتكم لانتقاد باعتباركم تهتمون بقضايا خارجية وتغضون الطرف عن الداخلية؟
_ موقف المؤتمر الشعبي بخصوص قضية إخوان مصر كان ينبع من شيئين مهمين، المؤتمر الشعبي يعدّ الحزب الوحيد الذي كان له منذ اليوم الأول لحدوث الانقلاب موقفاً واضحاً مما يحدث في مصر.. وفي تقديري أن الانقلاب تبعته تغييرات حتى في موقف المؤتمر الشعبي الداخلي.
{ هل إعدام إخوان مصر أهم من الدماء التي سالت في حرب (المعاليا) و(الرزيقات)؟
_ المؤتمر الشعبي ليس مربوطاً بقضايا السودان وحده، وإنما مربوط بقضايا العالم الإسلامي كله، وزعيمه في تقديرنا الآن هو واحد من المهمين في العالم الإسلامي وفي منصة الحركات الإسلامية القيادية، رضينا أم أبينا، السودان ممثلاً في المؤتمر الشعبي هو رأس الرمح في منصة الانطلاق.. وفي تقديري اهتمام المؤتمر الشعبي بالشأن في مصر وسوريا واليمن وليبيا انبنى على هذه المسؤولية.. نحن أقمنا مؤتمراً صحافياً لم يكن عادياً بعد مداولة في الأمانة العامة.
{ تعني أنه كان هناك خلاف حول عقد هذا المؤتمر؟
_ أبداً.. إنما جرت شورى حول الموضوع، وكلها أجمعت على أنه لابد من موقف في هذه المرحلة، وموقفنا في تقديرنا ستبنى عليه مواقف في العالم الإسلامي، لذلك كان لابد أن نقول هذا الرأي وفي هذا الوقت.
{ أفهم أن المؤتمر كان بمثابة انحياز أيديولوجي؟
_ فيه انحياز أيديولوجي وإنساني متعلق بقضية الحريات وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء.
{ لكن بقية الأحزاب لم تنفعل مثلكم؟
_ من لم ينحاز لما حدث في مصر سواء أكان حزباً إسلامياً أو علمانياً فعليه مراجعة المفاهيم المتعلقة بسيادة حكم القانون والحريات، ونحن في المؤتمر الشعبي قرأنا مواقف القوى السياسية في السودان، وفي معظمها موقفها كان غير مشرف.
{ بما فيها الحزب الحاكم؟
_ بما فيها الحزب الحاكم، لأن الذي حدث في مصر مذبحة شارك فيها القضاء والأمن بكل أجهزتهما لذلك ما كان للمؤتمر الشعبي أن يصمت في هذا الوقت.
{ ذكرت أنكم مهتمون بما يحدث في العالم الإسلامي.. ما علاقتكم بالتنظيم الإسلامي العالمي؟
_ المؤتمر الشعبي ليست له أية علاقة بالتنظيم العالمي، نحن من وقت طويل (فرزنا عيشتنا) من التنظيم العالمي، وفككنا الارتباط بحركة الإخوان المسلمين في مصر.. الحركة في مصر في غالب الأحوال تعدّ نفسها الحركة الأم، منها المرشد، وبقية الحركات في العالم مجرد مراقبين يتبعون للمرشد.. وهذه كانت مدخلاً لمشاكل مع إخواننا في مصر، وحتى لما ذهبنا لهم، الإخوان كانوا أقل الناس حرارة في استقبالهم لنا.
{ ما سبب هذا الموقف؟
_ لأنه عندما ضرب “سيد قطب” و”عبد الوهاب” الخلاف نحن تسمينا أنفسنا “الإخوان المسلمين” وقلنا إن الإسلام لو ضرب في مصر سيظهر في السودان والعكس.. لكن أكرر أن ما اتخذناه من موقف الآن كان من باب الانحياز للمبدأ.
{ قلت إن موقفكم تجاه إخوان مصر كان إنسانياً أما كان من الأجدى أن يتم لصالح (المعاليا) و(الرزيقات) كما رأى بعض ناشطي المواقع الاجتماعية؟
_ عجبت من هذا الحديث الذي تداولته بعض المواقع الإسفيرية وشبهت فيه المؤتمر الشعبي بـ”ضل الدليب” يرمي بعيداً ويهمل القضايا الداخلية.. وهذا غير صحيح.
{ ما الصحيح إذن؟
_ أن المؤتمر الشعبي لديه أمانات متخصصة معنية بالقبائل والأقاليم المتأزمة.. صحيح لم نصدر بياناً أو نعقد مؤتمراً صحافياً.. لكن في الواقع، أمانات الأقاليم المتأزمة تضم قيادات كبيرة، منهم “محمد الأمين خليفة”، تعمل في تهدئة الخواطر بين (المعاليا) و(الرزيقات).. نحن لم ننقطع عن القضايا الداخلية.
{ متى انحزتم لها؟
_ أريد أن أذكّر من يزايدون في هذه القضايا أننا سبق وكان لنا موقف من العدالة الجنائية في دارفور في وقت صمتت فيه كل الأحزاب، وقلنا إن من ارتكب جريمة في دارفور لابد أن يقدم للمحاكمة، وظللنا ندفع الثمن غالياً من أجل دارفور سجناً وإغلاق دور وصحيفة.. هذا الموقف لم ينقطع.
{ هل ترى أن عقد مؤتمر صحافي لصالح قضية (المعاليا) و(الرزيقات) ليس مهماً؟
– هذه قضية داخلية مهمة، لكن نحن (شغالين) تهدئة خواطر، ومتابعتنا الداخلية فيما يتعلق بالقبيلتين موجودة.
{ قبل ذلك أعلنت عن قرب استئناف الحوار.. لماذا لم ينطلق حتى الآن؟
_ نحن أكثر حزب ظل صوته عالياً في قضية الحوار، لكن الترتيبات التي وضعناها أخذت وقتاً طويلاً لأسباب مختلفة، جزء منها انشغال المؤتمر الوطني بقضايا الانتخابات.. وفي هذه الجزئية اختلفنا معهم، وقلنا الحوار مقدم على الانتخابات باعتباره قضية وطنية أسمى، والانتخابات متعلقة بالسلطة، وقضية الوطن مقدمة على قضية السلطة، وهذا ترتب عليه موقفنا في مقاطعتها.
{ هل هناك أسباب أخرى؟
_ الحوار كذلك اعترته إشكالات متعلقة بالبنية القانونية، ممثلة في القوانين المقيدة للحريات وتصرفات الأجهزة الأمنية في اعتقالات عطلت الحوار.. وهناك جانب آخر مربوط بالقوى السياسية التي في معظمها لا تميز بين الحوار والتفاوض، وهناك قوى كبيرة الآن تستنجد بالمجتمع الدولي والإقليمي وتعتقد أنه أفضل لها من الحوار الداخلي.
{ عن أية قوى سياسية تتحدث؟
_ قوى “نداء السودان” تفضل التدخل الدولي والإقليمي، وهذا ساهم في تعطيل الحوار.
{ هذه القوى كان لها موقف مبدئي من الحوار؟
– لكن هي نفسها التي تقاطع الآن، وسبق أن دخلت في شراكات مع المؤتمر الوطني في السلطة من خلال (نيفاشا)، والحوار ليس من أجل المشاركة في السلطة، إنما هو متعلق بأزمة البلد الكلية في الحكم والحريات ووحدة البلد والسلام. أعتقد أن التعطيل تضافرت فيه جهود وعوامل مختلفة. جزء تسببت فيه الحكومة، وجزء تسببت فيه المعارضة حتى وصلنا إلى هذه المرحلة.
{ متى سينطلق الحوار بعد كل هذا؟
_ نحن الآن أكملنا لائحة نظم الحوار واخترنا (50) شخصية قومية ورؤساء اللجان ونوابهمـ وعقدنا اجتماعاً قبل أكثر من أسبوع للجنة (7+7)، وأنشأنا لجاناً داخلية وانتظمت في اجتماعات وترتب للاتصال بالحركات المسلحة من جديد وتتصل بالقوى السياسية الرافضة للحوار من جديد، وفي خلال أسبوع أو عشرة أيام ستجتمع اللجنة العليا لـ(7+7) وفيها رئيس الجمهورية وشيخ “حسن”، وستجتمع قبل تنصيب الرئيس، وتضع الموجهات لقيام المؤتمر وتاريخه.
{ المجمدون.. هل سينضمون للحوار؟
_ أعتقد أنهم مجمدون لأسباب غير موضوعية، وسيأتون إلى الجمعية العمومية.. هم يتحدثون عن إنفاذ قضايا في خارطة الطريق قبل قيام الحوار ووضعوا شروطاً لذلك.. هؤلاء أسوأ من الحركات المسلحة.. الخارطة التي وقعنا عليها (هم ما فاهمنها).. الخارطة تحكم إجراءات الحوار، وهذا ليس حقاً (عشان ينتقدوا المؤتمر الوطني أو غيره) حتى ينفذ اليوم قبل انطلاق الحوار.. هناك أخطاء في المفاهيم حول الخارطة، وإشكاليات في هذه القوى التي خرجت حديثاً من المؤتمر الوطني.. خرجوا لأنه تم فصلهم.
{ من تقصد؟
_ “الإصلاح الآن”. (تحديداً ناس “حسن رزق”) ما كان يمكن أن يصبحوا معارضة لولا أنهم فصلوا من المؤتمر الوطني.. هذه المواقف قائمة على أشياء شخصية.. نحن ننظر لأزمة البلد وليس لأزمتنا الشخصية، وتجربتنا في المعارضة بلغت خمسة عشر عاماً.. هم حتى الآن لم يعتقلوا ولم يعرفوا المعنى الحقيقي للمفاصلة من أجل المبادئ.
{ رغم ذلك.. هل تتوقع حضورهم؟
– أتوقع حضورهم اجتماع الجمعية العمومية.. نحن سنعقد الأسبوع القادم اجتماع اللجنة التنسيقية العليا، وسنحدد التواريخ لقيام أعمال اللجان، وهي مكتملة، والأحزاب السياسية وضعت أوراقها، ونحن وضعنا ثلاثة أشهر للحوار من تاريخ بدء اجتماعات اللجان.
{ المستغرب توتر العلاقة بينكم وهذه الأحزاب الحديثة.. ما السبب؟
_ لا يوجد سبب للمشاكل.. عمرنا في المعارضة غير متقارب، لكن هم لديهم غبن ومواجد تجاه المؤتمر الوطني أقرب للشخصنة، ويعتقدون أن المؤتمر الشعبي يعطي الحوار شرعية أكبر، ويريدون الاحتماء بالشعبي وحزبنا أوضح قضاياه بشكل قاطع، ومضى تجاه الحوار.. المؤتمر الشعبي لن يستجيب لطلبات “الإصلاح الآن” ولا “منبر السلام العادل”. وإذا كنا نريد الاستجابة لطلب لاستجبنا لطلبات تحالف المعارضة التي قضينا فيها سبعة أعوام.
{ يبدو أنكم تراهنون على الحوار في حل مشكلة البلد؟
_ لست مقتنعاً بأن الحوار سيحل المشاكل بنسبة (100%)، لكن لديّ هامش رجاء وأمل أعمل فيه حتى أصل لمرحلة وفاق سياسي يؤدي إلى ديمقراطية حقيقية.. نحن كنا في تحالف الإجماع الوطني ورأينا كيف يفكرون إلى اليوم.. انظري لهم كيف يفكرون.
{ كيف يفكرون؟
_ يفكرون في المجتمع الدولي والعلاقة مع الحركات المسلحة.. حاولنا أن نتفق معهم على دستور انتقالي وبرنامج سياسي بعد إسقاط النظام ولم نتفق.. نحن معهم أيدوا انقلاب مصر.. وفي تظاهرات “سبتمبر” طرحوا شعارات أيديولوجية ضدنا. لذلك لم تكن هناك إمكانية للاستمرار معهم، وجئنا للحوار ولدينا رجاء في أن نطور الهامش الذي ذكرته لشيء أفضل.
{ كيف اكتشفتم أن التحالف يعمل ضدكم؟
– كنتُ ممثلاً للشعبي في داخل المعارضة ومسؤول الإعلام وأعبر عن مواقفها التنسيقية المشتركة.. عندما انطلقت تظاهرات “سبتمبر” جلسنا لوضع خطط للاستمرار و(عملنا شعارات مشتركة) ولافتات تعبر عنا، وحددنا الطرق التي نتحرك عبرها والمؤتمر الشعبي كانت لديه (11) داراً، وكانت تمثل منطلقات للتظاهرات، فجأة في اليوم الثاني من شمبات تغيرت هذه المواقع وتغيرت اللجان، وأقيمت اجتماعات في بيوت قريبة من مركزنا في الطائف. وأنا الناطق الرسمي للتحالف غيبت من هذه الاجتماعات وعندما سأل أحدهم عن سبب تغييبهم لشخصي، قالوا له: (كمال دا أتكلوا) وعينوا بديلاً لي في الإعلام، وبعد ذلك أصبحنا نسمع حديثاً عن أنها ثورة ضد الإسلام السياسي والحركة الإسلامية، الأمر الذي دعانا إلى إيقاف منسوبينا من المشاركة في التظاهرات.
{ ألم تراجعوهم في هذه المواقف؟
_ عقدنا اجتماعاً هنا عقب التظاهرات، وكان بحضور الأستاذ “فاروق أبو عيسى”، وسألناهم: لماذا فعلتم ذلك؟ ووقتها كانت الأدلة أمامنا ولم تكن هناك إجابة.. الإجابة الوحيدة التي كانت أمامنا هي أن هؤلاء الإخوة محتاجون مراجعة كثير من مواقفهم تجاه الديمقراطية.
{ إذن لا يمكن أن تعودوا لهذا التحالف؟
– إلا إذا راجعت قوى “نداء السودان” موقفها حيال قضية الديمقراطية ونحن لو أتت الصناديق بالحزب الشيوعي سنحتكم لخيار الشعب، لكن الأدلة من السودان إلى الجوار الإقليمي أوضحت أنهم لا يريدون حكماً إسلامياً، ولا دستوراً ترد فيه كلمة إسلام، ولا شعباً يختار الإسلاميين.. والأخطر من ذلك، هم يريدون إعادة هيكلة الدولة السودانية وتصفية مؤسسات الدولة بما فيها القضاء والخدمة المدنية، وأن تكون الحركات المسلحة بديلاً عن الجيش.. هذا مشروع “بول بريمير” في العراق.. كيف نستمر مع هذه المعارضة إذا لم تُعد توصيف الحقائق.. إذا لم تعد للديمقراطية والحرية لن نضع يدنا معها أبداً.
{ أين وصلت مساعيكم لعودة “الصادق” والتحاقه بالحوار؟
– عندما ذهبت إلى قطر كان في ذهني أن ألتقي “الصادق المهدي”، وجرت بعض المحاولات عبر المواقع، ويفترض أن أسافر أنا وآخرون مصر للقائه، لكن التطورات الأخيرة في مصر جعلتني أتخلى عن التفكير فيها وأستبدلها باتصالات أخرى عبر وسائل مختلفة مع الإمام.. ونحن تقديرنا أن حزب الأمة مهم جداً في الحوار الوطني وكل القوى السياسية الأخرى لديها مطالب نعتقد أنها مشروعة.. الحديث حول تعليق القوانين المقيدة للحريات مهم.. لا يمكن أن يكون هناك حوار وشخصيات تعتقل.. وقف إطلاق النار للحركات المسلحة مهم، وكذلك إطلاق سراح المعتقلين سياسياً وفتح الممرات الآمنة.
{ كثر حديثكم عن هذه المطالب لكن لم نر نتيجة؟
_ هذه القضايا ننوي إثارتها في المرحلة القادمة خلال الحوار لخلق بيئة تهيئ لحضور الآخرين.. ولا أرى مبرراً أن يكون هناك محكومين تابعين للحركات المسلحة ومعتقلين تابعين لتنظيمات سياسية أخرى، يحاكمون الآن.. وتقديراتنا أن نثير هذه القضايا من خلال الحوار.
{ هل شعرتم أن السلطة الحاكمة بدأت تستجيب لهذه المطالب؟
_ إلى حد كبير.. في الاجتماع الأخير للجنة (7+)7 كانت هناك مرونة مشجعة من الأخ الرئيس في مسألة الحريات، ووقف الحرب، وتأمين المفاوضين من الحركات المسلحة.

{ قاطعتم الانتخابات لكن ستتفاوضون مع الحكومة التي تمخضت عنها.. ألا يعدّ هذا إقراراً بنتائجها؟
– موقفنا كان ضد قيام الانتخابات من البداية ومقاطعتنا تدل على موقفنا المبدئي منها، وبالتالي فإن الحكومة التي ستتمخض عن هذه الانتخابات لا تشكل واقعاً جديداً مثلها ومثل الحكومة السابقة، هي المؤتمر الوطني.
{ الجديد أن هذه حكومة ناتجة عن الانتخابات؟
_ الموقف تجاه الحكومة لا أرى فيه موضوعية، أن نقاطع الحوار بسبب الحكومة الجديدة.
{ من باب التناسق مع موقفكم؟
– أرى أن الوضع تأزم أكثر بعد إجراء الانتخابات، وأعتقد أن استمرار وتعميق الأزمة في مرحلة الاحتقان هذه تستدعي الاستمرار في الحوار خاصة إذا استصحبنا ما يحدث على مستوى الإقليم في سوريا واليمن وليبيا.. الشعب السوداني ليس لديه خيار غير الحوار.
{ قلت إنكم ما زلتم تحاولون لقاء “الصادق”.. هل لديكم اتصالات مع حزبه بالداخل؟
_ التواصل مباشرة مع “الصادق”.. ليس لدينا تواصل مع الناس هنا الناس.
{ هذا يعني أن العلاقة (تعبانة) أليس كذلك؟
_ “الهِنا، علاقتنا معهم تعبانة شوية”!

{ بعد التحولات التي حدثت على مستوى مواقفكم من التحالف المعارض.. ما طبيعة علاقة “كمال عمر” بالتحالف على خلفية أن علاقتك كانت متميزة معهم؟
_ أنا الآن تربطني علاقة حميمة مع كل القوى السياسية، خاصة الحزب الشيوعي السوداني.
{ إلى أي مستوى؟
_ إلى درجة أن بيننا علاقة اجتماعية متواصلة غير منقطعة، ومطلع على تقديرات المواقف في الحزب الشيوعي باستمرار، وعلاقة أسمى وأنبل مع حزب البعث الاشتراكي الأصل، والوطني الاتحادي وفصائل الاتحاديين.. وأعتقد أن الأسلم للساحة السياسية حتى تستقر الديمقراطية في السودان رغم رأيي الذي قلته فيهم، بناء قاعدة وفاق تقوم على وحدة من أجل قضايا الحرية والديمقراطية والعدالة؟
{ هناك من يظن أن الصراع الآن (إسلامي- علماني)؟
_ لم يصل إلى مرحلة صراع (إسلامي- علماني) لكن ملامحه الأولية تمضي في اتجاه أن يصبح (إسلامياً- علمانياً).
{ خاصة بعد اتفاقكم مع الوطني على الحوار؟
_ خط المؤتمر الشعبي لا يتفق مع هذا التصور.. خطنا السياسي هو وفاق مع الجميع من الحزب الشيوعي حتى المؤتمر الوطني.. تقديرنا السياسي الآن، أن لدينا موقفاً يجعلنا قريبين مع الكل.. والآن نركز جهدنا على الحوار، ومنصته تعطينا بعداً محايداً في علاقتنا.. لدينا علاقة مع الوطني جيدة جداً.. ولدينا علاقة مع الشيوعيين والبعثيين.. وهذا يؤهلنا لجمع القوى السياسية في إطار واحد لمصلحة البلد.
{ لماذا عجزتم عن إقناع الحركات المسلحة بالانضمام للحوار على خلفية توسطكم وحديثكم عن إمكانية حل مشكلة دارفور في ساعات؟
_ الكلام عن أن المؤتمر الشعبي سيحل مشكلة دارفور في يوم كان محكوماً باعتبارات في وقت معين، وفيها مزايدات ومبالغة.. وكان ذلك من خلال ارتباط المؤتمر الشعبي بالمطالب الكلية لهذه الحركات.
{ هل ما زلتم مرتبطين بقضاياهم؟
_ نعتقد حتى اليوم أن لها مطالب سياسية عادلة، لكن نختلف معها في الوسيلة، وقد تلاحظين أننا في الأيام الفائتة لم نؤيد هزيمة العدل والمساواة، ولا في يوم وقفنا مع الحركات المسلحة، لأن قناعتنا أن الحرب ليست الوسيلة لحل أزمة البلد.
{ أين وصلت مساعي الاتصال بالحركات المسلحة؟
_ قبل شهور أرسلنا وفداً للاتصال بهذه الحركات، وحتى الآن لدينا اتصالات بهذه الحركات.. فقط نريد من الحكومة خطوات حتى تصل الاتصالات إلى النقطة والموقف الذي نريده، ويتمثل في تأمين مناخ الحريات الداخلي الذي نعتقد أن فيه إشكالات.. ونحن نتشاور مع الحكومة في هذه القضايا، وإذا استجابت لنا في قضايا وقف الحرب وإطلاق سراح المعتقلين ستدفع برؤيتنا في إقناع الحركات للحضور إلى الحوار.
{ الشارع العام يتكهن بتخلي الرئيس عن حزبه ليبتعد عن الحزبية.. إلى أي مدى تعتقدون بإمكان حدوث هذا التكهن؟
_ الحوار ومناخه والتزاماته تجعلنا نبتعد عن التعمق.. نحن لا نريد الدخول في شأن داخلي للمؤتمر الوطني، لكن لا أعتقد هناك إشكالية للرئيس، وهو موجود داخل المؤتمر الوطني، في أن تحصل تحولات في المواقف.
{ كيف؟
_ قبل ذلك هم أحدثوا تحولات في داخلهم في مرحلة من المراحل، خاصة أن الممسكين بملف الحوار داخل المؤتمر الوطني “غندور” أو “مصطفى”، أعتقد أنهما من أنجح الكوادر داخل الحزب.. هذان وجهان مشرفان في التعامل مع الحركات والقوى السياسية.
{ رغم ذلك لم يحدثا اختراقاً؟
– سياسات الحزب ومواقفه أحياناً تضر بعمليهما، لأنه قائم على السلطة، والأجهزة الأمنية تأخذ بتلابيب بعض القضايا السياسية.. هذا يعقد مظهرهم في التعامل السياسي.
{ ما الحل؟
_ أعتقد أن قضية الحوار طرحها رئيس الجمهورية، وأجهزة المؤتمر الوطني مطالبة بالانصياع لعملية الحوار ومصداقيته التي عبر عنها الرئيس منذ أول يوم حينما أكد التزامه بمقرراته، ووقع على الخارطة، ونحن مستمسكون بذلك.
{ كيف سيستمر الحوار على ضوء وجود تيار معارض له داخل الوطني؟
_ صحيح هناك تيار داخل الوطني يجوز أن يكون لديه رأي في عملية الحوار.. لكن أعتقد أنه لن يفعل شيئاً أمام تيار الرئيس الكبير.
{ هناك اختلاف بين جيلين في المؤتمر الشعبي حول الحوار.. ألا تخشون من تفكك الحزب؟
_ لا أنكر في بداية موقف الحوار كان هناك تململ وسط عضوية الحزب خاصة من الأقاليم المتأزمة، وكانوا معذورين باعتبار أن معظم الجرائم والتجاوزات التي ارتكبت والعنف والحرب وأخطاء النظام كانت منصبة على أهلهم ومناطقهم. فطبيعي أن يكون الانتقال مباشرة من مرحلة إسقاط النظام إلى التحاور معه غير مقبول.
{ كيف تديرون الحوار على خلفية هذا التأزم؟
– الآن الحزب اجتاز هذه المرحلة بلقاءات متواصلة مع العضوية، سمعنا فيها الكثير.. لكن نفسياً هذا حزب عقائدي قائم على فكرة السمع والطاعة والشورى.. هذه متلازمات.. وبعد الطواف على عضويتنا تجاوزنا هذه المشكلة، وأصبحت قضية حوار قضية دين مثلما الرسول حاور المشركين في مكة ليحدث التحول لفتحها، وكان هذا فتحاً للقضايا الكبيرة.. الآن كل عضوية الشعبي تؤمن أن هذا الحوار مقدمة لاندياح حول الحريات والحكم الراشد وتوحيد الأمة والديمقراطية، وحدث استيعاب كامل لخط الحزب.
{ لكنكم أوقفتم منبر أهل الرأي بسبب دعوتهم ليساريين؟
_ الحديث عن ما حدث لمنبر أهل الرأي تضخم إعلامياً وكان مقدوراً على احتوائه داخلياً، وليس صحيحاً أنه وقف لأنهم جاءوا بيساريين.. اليساريون كانوا يأتون إلينا هنا.. الشعبي ليست لديه مشكلة مع الحزب الشيوعي ولا مع اليساريين.
{ ربما الموقف الجديد يتطلب ذلك؟
_ “لا.. نحن عندما عملنا القصة دي معهم، المنبر ذاتو ما كان بعرفه”.. وكانوا قبل ذلك معترضين على خط الحزب في علاقته مع الحزب الشيوعي، ودخولنا الحوار لا يعني أننا ألغينا علاقتنا به.. نحن حريصون عليها ولن نتخلى عن علاقتنا بالشيوعي والبعثي وبقية القوى السياسية من أجل الحوار، بل نعمل على أن يأتوا إلى الحوار، لذلك التململ أو التذمر داخل الحزب قد انخفض إلى حد كبير، وأي حزب يؤمن بالحرية والديمقراطية لابد أن يؤمن بوجود أصوات داخله.
{ ما حجم التذمر الآن؟
_ أقول إن عملية التململ أصبحت ضئيلة في حجمها، ولا أنفي أن من حق العضوية أن تطرح رأيها.. لكن أقول إن الحزب بالشورى الموجودة داخله قادر على احتواء هذه الآراء.
{ ماذا عن المذكرات التي قدمت للأمين العام للحزب؟
– لم تصل أية مذكرة للحزب..”مافي زول قدمها لينا”.. نحن قرأنا ذلك في الإعلام، والحزب على مستوى كل أجهزته على استعداد لسماع أي رأي.
{ في أي إطار تأتي عودة المهاجرين الآن من الحزب؟
_ المؤتمر الشعبي يرحب بكل العائدين.
{ يبدو أن هناك خطة للعودة؟
– لا توجد أية خطة.. أي شخص يقدر موقفه ويحضر
{ متى سيعود “علي الحاج”؟
_ لا أتكهن بعودته.. له ارتباطات في ألمانيا، ونحن نتمنى أن يعود.
{ المؤشرات تدل على اقترابكم من السلطة؟
_ موقفنا الآن هو أننا لن نشارك في السلطة.. وهناك مرحلتان.. مرحلة أولى وهي المرحلة الحالية، الحزب الحاكم يريد تشكيل حكومة ونحن لسنا معنيين بها وتركيزنا الآن كله على الحوار.. نحن رفضنا الانتخابات.. لا يمكن أن نرفضها ونشارك في السلطة.
{ سبق أن قلتم إذا وصل الحوار لمستوى محدد فإنكم ستشاركون؟
_ نحن نتكلم عن برنامج سياسي يتم التوافق عليه في منظومة الحوار، نتفق على كيف يحكم السودان والدستور والحريات ووحدة البلد والسلام.. وقتها إذا تحدث الناس عن مشاركة في السلطة وفقاً لهذا البرنامج فنحن سنعرض الأمر على قيادة الحزب وهي من يقرر.
{ علاقتك بـ”الترابي” قيل إنها تتم على حساب قيادات أخرى؟
– أنا لم أعرف شيخ “حسن” إلا من خلال موقفه الكبير كشيخ للحركة الإسلامية.. وأحمد الله أنني في الحركة الإسلامية لم أكن يوماً وزيراً أو والياً حتى يربطوا علاقتي بشيخ “حسن” بأنني أريد وزارة. أنا جئت في وقت الانحياز إليه كان ثمنه السجن.. وسجنت.. وأنا قريب منه سبع مرات.. وأتمنى أن تمتد، حتى إذا سجنت سبعين مرة، وعلاقتنا قائمه على إيمان بفكرة.. وفي تقديري هو من أعظم علماء هذه الأمة، من بعد الخلافة الراشدة، لم يجد الزمان بمثل شيخ “حسن”.
{ ماذا تقدم حتى يحظى بهذه المكانة؟
_ أنا كنت مسؤول الأمانة العدلية في وقت صعب، وانتقلت للأمانة السياسية وعبرت عن موقف الحزب في إسقاط النظام بشكل يعبر عن خط الحزب.. وعندما تبنى قضية الحوار أنا كنت مسؤولاً عن تصريف موقف الحزب.
{ هذه لا تقربك إليه؟
_ ما يربطني بشيخ “حسن” هو منظومة الأمانة العامة كأمين سياسي، ولا أنكر أن هناك علاقة عاطفية في الدواخل تجاه شيخ “حسن”. وأعتقد من واجبنا أن نحترم شيخاً قضى كل حياته من أجل الدعوة.. “وحبنا مش حب طائفي”.. هو علمنا الشورى والحرية والديمقراطية، لكن دائماً دائرة شيخ “حسن” يتنافس حولها الناس.. وأتمنى أن تكون المنافسة مشروعة.
{ أنت متهم بأنك تتقرب لـ”الترابي” بطريقة أحدثت شروخاً في الحزب؟
_ صحيح.. هذا الموضوع أحدث ردة فعل لدى بعض الناس.. لكن في النهاية هم إخواننا وأحترمهم. وأتمنى أن لا يكون ذلك مدخلاً لسوء فهم.. الحركة محتاجة لنا كلنا.
{ تحدثت قبل ذلك عن (النظام الخالف) وقال بعض الناس إنك لا تعرف شيئاً عنه وإنما تريد أن تظهر أنك قريب من “الترابي”؟
– عندما تحدثت عن (النظام الخالف) تحدثت حديث العالم بالمواقف الداخلية والخارجية للحزب.. أنا لا أدعي الأشياء، والآن يوجد تطور في نهج (النظام الخالف) وحركته.. وخلال اليومين الماضيين حدثت اتصالات في جولاتنا الإقليمية بعدد كبير من مشايخ الطرق الصوفية وغيرها.. وأنا أتحدث عنه باعتباره واقعاً إستراتيجياً مستقبلياً.. الآن الحزب “شغال فيه”.. من يكتبون يؤلفون “من راسهم”، وأنا لست معنياً بهم.
{ ما هي التطورات التي حدثت؟
_ على صعيد الفكرة هناك تطورات واتصالات حدثت.. وأقول هناك قيادات كبيرة لأحزاب أبدت استعداداً وانفعلت جداً.. وكل يوم يسألون عن متى يوقعون على (النظام الخالف) حتى يشكلوا منظومة.. وهذا ليس وقته.. سيكون بعد الحوار.. وفي المراحل القادمة سنخرج لكم بمارد بعبع ضخم ليس في مجال السياسة وإنما في الاجتماع والفن وكل القضايا.

حوار- فاطمة مبارك- المجهر


تعليق واحد