أبشر الماحي الصائم

هذه المباني فأين المعاني


طفقت وسائط التواصل الاجتماعي تنقل لنا من فترة لأخرى (بالصورة والصوت والقلم)، ضبط الأجهزة الأمنية السودانية جرائم عابرة للحدود، المخدرات وغيرها من المحظورات، وذلك في سياق عمليات أسطورية حاذقة ترقى لدرجة البطولة، وقبل أن نذهب إلى قلق تساؤلات ما بعد الضبط الجنائي، نرفد وجهتنا بتفاصيل آخر جريمة تمت الإحاطة بها من قبل الأجهزة الأمنية. تقول تفاصيل تلك العملية الأمنية البطولية المتداولة في الوسائط الإعلامية، “إن إدارة مكافحة المخدرات بالتنسيق مع جهاز الأمن والمخابرات، تضبط سوريين اثنين ولبناني وفتاة لبنانية وهم يحاولون إدخال حبوب منشطة للبلاد داخل ثلاجة أمريكية، بحيث تم التنسيق بين مكافحة المخدرات بالمطار وجهاز الأمن والمخابرات وشرطة الجمارك، كما تم تخليص المخدرات تحت أنظارهم وبعلمهم، وكذلك تم ترحيلها ببوكس أحضر بواسطتهم ودون علم المتهمين، ونقلت الثلاجة والغسالة إلى الرياض مكان إقامة المتهمين الذين طلبوا من سائق البوكس إحضار عتالة لرفعها للشقة التي يقيمون بها بالطابق العلوي، ولم يكن العتالة إلا رجالات الجهاز، وبعد رفع الثلاجة والغسالة ومع خروج آخر فرد من المتنكرين تحت ساتر العتالة، تتم المداهمة تحت إشراف السيد اللواء مكي محمد المكي والعميد صالح يحيى والملازم أول هاشم بخيت سالم وأفراد الكوكبة من جهاز الأمن ومكافحة المخدرات بالمطار، وتم ضبط 210 آلاف حبة”.
* انتهت تراجيديا الخبر المتداول في وسائط الميديا لتبدأ الأسئلة المشروعة المقلقة، فهنالك على الأقل ثلاث جرائم مماثلة أبطالها أجانب ضبطت في الفترة الأخيرة، مع توافر كل حيثيات الإدانة من المضبوطات والاعترافات، هل صدرت بحق أولئك أحكاما عادلة ناجزة رادعة !! هذا ما لم نسمع به حتى الآن، فكثيرا ما نسمع طحنا ولا نرى عجينا، فبقدر ما تجتاحنا حالات الفخر والامتنان لمقدرة وكفاءة أجهزتنا الأمنية، في عمليات الضبط والإحضار وعبقرية اكتشاف قضايا عصية حتى على أجهزة دول تهز وترز، بقدر ما في المقابل تصيبنا حالات إحباط وقلق لتخلف مسارات العقوبة وعدم مواكبتها، إذ العدل جناحان، جناح الضبط وجناح العقوبة، إذا تعطل أحدهما يصبح ليس بالإمكان لعدالتنا أن تحلق في سماوات الشفافية والحسم !!
وهل كانت مصادفة أن أكتب هذا المقال الآن من سفح احتفال مبنى باهظ للعدالة بشرق النيل، يشرفه السيد رئيس القضاء وحكومة ولاية الخرطوم، نحضره بدعوة كريمة من السيد معتمد شرق النيل، ثم ننفض على متن تساؤلاتنا القديمة الجديدة.. هذه المباني فأين المعاني؟!
حتى على مستوى حيثيات وقائعنا الداخلية يلازمنا بطء العدالة وتخلف العقوبة، لدرجة أن مجرمي الحركات المسلحة، على سبيل تقاعس العدالة، يضبطون متلبسون بالدم والقتل والبيئة، ثم لا تلبث عدالتنا تزحف حتى تأتي الدوحة فتفرج عنهم، وبعضهم يعود ليمارس ذات الإجرام وهو يعلم أنه لم ينج فإن في سلحفاية عدالتنا وضعف عقوباتها متسع، ذلك إن لم تتداركه إحدى الدوحات ..