مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : الخليج.. صمام أمان المنطقة


تزداد أهمية النقاش في مسألة الأمن عند ربطه بمنطقة ذات أهمية جيوإستراتيجية كمنطقة الخليج، خاصة أنّها تتعرض لكثير من الأطماع من دول قريبة مثل إيران وتدخلات خارجية، كما أنّ الخليج يُحظى بمكانة متميزة في جهوده نحو مواجهة التهديدات الأمنية الخطيرة وعلى رأسها ظاهرة الإرهاب والتي تُعتبر من أكثر الظواهر تعقيدًا وأخذت زخمًا وبُعدًا آخر عند تلبسه بلبوس الدين الإسلامي، وتشابك الإرهاب مع العلاقات الدولية.

ولأنّ الأمن من أهم الحاجات الإنسانية التي يجب تلبيتها، فقد أخذت نقطة تعزيز التعاون الأمني والدفاعي لحماية المنطقة، إحدى نقاط البيان الختامي المشترك للقمة الخليجية الأمريكية التي عقدت منتصف شهر مايو الجاري بمنتجع كامب ديفيد، بُعدًا إستراتيجيًا مهمًا.

استثارت هذه النقطة القديمة المتجددة انتباه المراقبين نظرًا للتركيز الكبير عليها. وإنّه لمن البديهي أن يتم ذلك والمنطقة العربية تشهد ما تشهده من زعزعة للأمن والاستقرار، ونظرًا لذلك فقد جاء البيان الختامي المشترك للقمة والصادر عن البيت الأبيض مؤكدًا أنّ أمريكا ستضمن تسريع نقل السلاح إلى دول الخليج، وإرسال فريق إلى المنطقة في الأسابيع القادمة لبحث تفاصيل العملية.

تنبع أهمية الأمن في هذا الوقت بالذات لمنطقة الشرق الأوسط وهي أكثر تهيئة للاضطرابات، فغالبية الشعوب العربية عاجزة سياسيًا وتفتقر إلى التنمية ويعاني معظم السكان في الدولة الواحدة من التهميش والتمييز على أساس عرقي أو طائفي أو ديني، حتى بات التعريف باسم دولة معينة غير مجدٍ، فليس هناك معنى لأن يقول الشخص أنّه عراقي أو سوري مثلًا إلّا بإضافة بعض عناصر التوضيح والتقسيمات التي تم اعتمادها شعبيًا ورسميًا.

ونظرًا لأنّ الخليج على درجة كبيرة من القوة الاقتصادية والسياسية فإنّ التمدد والتغير الذي طرأ في تركيبة الشرق الأوسط بالحروب والتوسع البشري بفعل الهجرات واللجوء، سيغير من هذه التركيبة حتى لو لم يكن في الحدود السياسية فإنّه سيساهم في تغيير ولو طفيفًا في التركيبة البشرية والتداخلات فيما بين الدول.

فيما قبل كان يتم الحديث عن المنطقة باعتبارها كلًّا متماسكًا، أما وقد اتسعت الفجوة الآن وأخذت في التزايد بين البلدان فأصبح من الصعب ملاحقة هدف التقارب الداخلي. والواقع أنّ الدول العربية التي تشهد صراعًا مريعًا، تغيرت تركيبتها إلى فسيفيساء تكمن بين تفاصيلها جزيئيات متناقضة ومهيأة للعنف والتفتت السياسي والتفكك الاجتماعي والانهيار الاقتصادي.

ومع ضعف مؤسسات الدولة فيها فإنّ مقدرتها على معالجة أقلّ الحقوق للمواطن ضعيفة أو منعدمة. وهذا الوضع ينبئ باحتمال استمرارية المعاناة الإنسانية داخل البلد، وموجات الهجرة إلى دول الجوار. وهي عاجزة أيضًا عن حفظ النظام والأمن على أراضيها، والفئة المستقوية بالحكم تمارس الفساد لكي تبقى أطول فترة ممكنة.

وفي الاتجاه المقابل نجد المستفيدين من فساد السلطة بموالاة النظم الديكتاتورية، لكسب مزيد من الثروة. وهناك أيضًا الميلشيات المسلحة والجماعات الإرهابية التي تكتسب المزيد من النفوذ من هذا الضعف المستحكم، ومن المتوقع أن تتعاظم وحشيتها وتوسعها لتشمل بلدانًا هنا وهناك، ونظرًا لكل هذه العوامل اتخذ تعزيز الأمن هدفًا.

وما أكدته قمة كامب ديفيد من ضرورة التحول سريعًا من العمليات العسكرية إلى عملية سياسية في اليمن، وتسوية النزاعات في الشرق الأوسط بالسبل السياسية ما هو إلّا نزولًا عند المقاربة التي خلقتها الثورة المعرفية في مجال البحوث الأمنية، ووفقًا لما طرحه العالم باري بوزان وهو أحد المختصين في الدراسات الأمنية، من أنّ الأمن يعتني بغياب التهديد على القيم الأساسية في المجتمع، وفي سياق النظام الدولي فهو يرى أنّه قدرة الدول والمجتمعات على الحفاظ على كيانها المستقل وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية في سعيها للأمن، وإنّه لمن الضرورة بمكان نقل مفهوم الأمن من معناه الضيق المحصور في البعد العسكري إلى المفهوم الأوسع والذي يشمل جميع مناحي الحياة كالأمن السياسي، الأمن الاجتماعي، الأمن الاقتصادي، وذهبت إلى أبعد من ذلك بطرح الأمن المتبادل والأمن التعاوني.