حوارات ولقاءات

الأستاذ “عبد الله دينق نيال” في حديث خاص “كانت هناك محاولة لأن يكون “غازي العتباني” خليفة لـ”الترابي”


– نعم الدكتور “الترابي” كان ديمقراطياً، وكان يخضع كل الآراء التي يأتي بها ويقدمها لمن معه، فهو مفكر ولكن ليس كل الناس يفكرون في وقت واحد، فالفكرة تبدأ من أحد الأشخاص والناس يعملون على تطويرها وتبنيها ونحن بنعلم (كده)، ومازلت أتذكر عندما أراد الدكتور “الترابي” الانفتاح على القوى الأخرى، وأطلق على ذلك اسم (قانون التوالي) وكنت حينها في المكتب القيادي، في ذلك الوقت كان هناك ثلاثة وثلاثون من جملة خمسة وثلاثين عضواً ضد هذه الفكرة.
{ هل تذكر الأشخاص المؤيدين؟
– الدكتور “الترابي” كان واحداً من المؤيدين، وكذلك البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” والأستاذ “أحمد عبد الرحمن محمد”، فهؤلاء هم الذين أيدوا الشيخ “الترابي” على الانفتاح على القوى السياسية الأخرى.
{ مع مَنْ كنت؟
– أنا كنت مع الرافضين ولست وحدي، بل جل المجموعة التي ذكرتها لك الثلاثة وثلاثون عضواً من المكتب القيادي.
{ ما هي أسباب رفضكم؟
– كنا نرى أن هذا الافتتاح سيعيدنا إلى فترة الطائفية وكلام كثير من هذا القبيل.
{ ورأي “الترابي” كان شنو؟
– رأيه إجازة القانون.
{ ماذا فعلتم بعد الرفض؟
– ترك الأمر والشيخ “الترابي” كانت له ميزة، فالمكتب القيادي كان ينعقد كل ثلاثة أشهر ووقتها كان على صلة بأعضاء المكتب القيادي، خلال تلك الفترة كان يزور كل فرد منهم ويحاول مناقشته منفرداً، ولذلك عندما انعقد المكتب القيادي بعد الثلاثة أشهر تمت إجازة القانون بالإجماع.
{ لماذا غيرتم مواقفكم بعد أن كنتم رافضين؟
– لأن الدكتور “الترابي” أقنع كل الأعضاء قائلاً: يا جماعة قبل أن يفرض عليكم القانون تكونوا أنتم الذين وضعتموه، فالدكتور “الترابي” كان يقرأ في الأفق لأنه رجل متمكن ويتنبأ بالأشياء، فالديمقراطية ستأتي بالقوة والغرب يفرضها على الآخرين بالقوة، وأنتم كإسلاميين من الأفضل أن تجيزوها قبل أن تفرض عليكم بالقوة وحتى الانقلاب كنتم مكرهون عليه، فالانقلاب لم يكن أحد أدوات عمل الحركة الإسلامية، فكانوا مضطرين حسب تبريرات ذاك الوقت.
{ هل تذكر الأشخاص الذين كانوا رافضين لإجازة قانون “الترابي”؟
– أذكرهم تماماً من خلال حدتهم وخروجهم ودخولهم الاجتماع ربما ينكرون، وممكن أعددهم “فلان وفلان وفلان” لا أريد ذكرهم ربما ينكرون، ولكنهم بعد ثلاثة شهور وافقوا جميعاً، لأن شيخ “حسن” قال بالحرف الواحد أنتم بعد عشرة سنوات إذا ما كنتم مطمئنين للشعب السوداني وأنتم احتكرتم السلطة والمال والإعلام واشتغلوا ON man show (ون مان شو) حزب واحد، فبعد عشرة سنوات أنتم (خائفين أحسن تبقوا في المعارضة)، تنصهروا ديمقراطياً وتمشوا المعارضة عشان تصححوا العيوب العندكم التي جعلت الشعب السوداني ما يصوت ليكم، فالناس اقتنعوا وصوتوا بالإجماع.
{ مَنْ مِنْ الشخصيات أنت قريب منها ولديها نفس فكر “الترابي”؟
–    لا أستطيع أن أقول لك “زيد” أو “عبيد”، يمكن أن أقول “غازي صلاح الدين” مفكر من حيث إنه يمكن أن تخرج منه أفكار، وكانت هنالك محاولة أن يصبح الأمين العام للحركة الإسلامية، ويكون الوريث للشيخ “حسن”.
{ ثم جاءت الانتخابات وتم تقديمك كمرشح؟
– كانت مفاجأة وسراً، عرفت في اجتماع الشورى ووافقت وقلت لهم هذا رأي الحزب ولا يمكن أن يكون لي رأي آخر.
{ هل توقعت أن تحصل على نسبة عالية؟
–    كنت أتوقع أن أحصل على نسبة عالية ولكن ليس الفوز لأن الظروف لم تكن مهيأة للفوز حسب علمي بالمؤتمر الوطني وكيفية إدارة هذه المسألة، لكنها جزء من تحريك الساحة وعمل نابع من توسيع باب الحريات.
{ هل كنت تعتقد أن انتخابات 2010م كانت تمهيداً لانفصال الجنوب؟
–    انفصال الجنوب حدث في الاتفاقية 2005م الحكومة المركزية لم يكن لديها يد في الجنوب.
{ هل كنت تتوقع أن يحدث؟
–    نعم كنت أتوقع لو قرأت الاتفاقية فصلت الجنوب، والرئيس لم يكن لديه “صباع مش يد” كما يقولون ليس لديه يد في الجنوب، الجنوب لديه إدارته الذاتية المستقلة وهذا معناه خطوات نحو الانفصال، والانفصال كان واقع حقيقة، والإخراج هو الذي حدث في 2011م.
{ هل يمكن أن نحمل المؤتمر الوطني انفصال الجنوب؟
–    نعم يحمل هو الحاكم وهو من أدار.
{ …….
طبعاً لأنه كان هنالك حديث عن الوحدة الجاذبة وعن بعض التنازلات.
{ ألا تعتقد أنه عمل للوحدة؟
–    لا أعتقد أنه اجتهد لخيار الوحدة في عمل ظاهر، فهي ليست مبانٍ وإنما هي معاني كذلك.
{ …..
–    هو نتيجة غبن تاريخي لم تصنعه الحركة الإسلامية ولكنه تراكمي.
{ ماذا كان إحساسك بالانفصال؟
–    إحساس مؤلم مثل أن يقطعوا “صباعك” فأنت تتألم طبعاً، ولكنه في النهاية أصبح قدراً نافذاً.
{ هل ترى أن هناك فرصة لإعادة الوحدة؟
–    ليس الآن، فالوقت غير مناسب، عندما تعود المياه لمجاريها وتنفذ الحريات الأربع، وهي وحدة إلا ربع، وبعد ذلك بالتعامل والتكامل يمكن أن يؤدي إلى الوحدة الكونفدرالية لدولتين متوحدتين، ولكن ليس الآن، البلد الآن فيها حروب وعدم استقرار سياسي وأمني ومناكفات بين البلدين.
{ هل تتوقع أن يحدث نوع من الاستقرار؟
–    كنا نتمنى ذلك لأن الزعم الكبير أن هنالك مشكلة بين الشمال والجنوب والآن الجنوب دولة مستقلة، وكنا نتوقع أن يكون هنالك استقرار بين البلدين ويكون هناك تعاون، لأنه لا خيار غير التكامل بين الجنوب والشمال، لديهم مصالح وتاريخ مشترك لكن ما حدث هو العكس كما ترى.
{ ما الذي جعل الوضع بهذه الصورة غير المتوقعة؟
–    فشل القيادات وسوء الإدارة والفساد، كلها أدت إلى هذا الوضع.
{ هل تتوقع أن ينهض أم يستمر الحال كما هو؟
–    هناك قبائل كبيرة تحاول الاستئثار بكل شيء وهذا غير جيد، ونحن يفترض أن نرتفع فوق القبائل والعشائر، ولكن هذا لا يحدث للأسف، ولذا لم نحقق سلاماً شاملاً في السودان، وفي الجنوب لا أظن الأمور تسير في الطريق الصحيح.
{ هنالك حديث عن تدخل “إسرائيل” و”أمريكا”؟
–    هذه الشماعة موجودة لكنها ليست كل شيء، ولأن العيب فينا لذلك الآخر يستغل هذا العيب، فإذا كان بيتك محصناً فلن يدخله الغرباء.
{ هل لبعض القيادات الجنوبية تأثير على ما تم؟
–    نعم بلا شك القيادات هم الذين يعملون هذه “البلاوي” وليس الناس البسطاء، ولكنهم – أعني – “المثقفاتية” هم الذين عملوا هذه الكوارث.
{ نرجع بك إلى الوراء ما هي قراءات “عبد الله” وما هو المجال الذي تقرأ فيه؟
–    أنا طبعاً بحكم التخصص في “اللغة العربية” أحب التدريس وأبقى مدرساً (بروفيشنل) وهذا تأثير أساتذتنا في المراحل المختلفة، الواحد يحب أن يكون معلماً أو يكون ضابطاً في الجيش أو البوليس كان لهم تأثير علينا، وتأثرنا بما كنا نراه أمامنا سواء أكان من المدرسين بهيئتهم وطريقتهم، والتي تحبب لك هذه المهنة، وكذلك العسكرية الانضباط والطوابير والموسيقى. كنت ألقب في الثانوي بطالب حربي. أما بالنسبة للقراءة فقد قرأنا منذ المتوسطة، قرأنا كتباً كثيرة مثل مؤلفات “طه حسين” و(العبرات والنظرات) بـ”اللغة العربية” و”الانجليزية”، لكن بعد العمل العام والمشغوليات أصبح الواحد منا نادراً ما يقرأ كتاباً.
{ ماذا عن “عبد الله دينق” والرياضة؟
–    “تقريباً كل الشفع في الجنوب يحبون الكورة نحن لعبنا كرة الشراب في الرنك” وهي تعلمك كيف تتحكم بالكرة، ولعبنا مباريات بين الأحياء والجوائز حلويات وكذا، وكنا نمارس هذه الرياضة ونحبها أحياناً ألعب حارس مرمى، وأحياناً في الوسط مساعد هجوم. وعندما ذهبنا إلى الثانوي كنت ألعب بـ”ملكال” في فريق الاتحاد، درجة أولى في خانة (باك) يمين، وكان (الباك) اليمين مسؤولاً عن الجناح الأيسر، وكنت نادراً ما أترك للجناح أن يعكس الكورة، ولذلك أسموني (باك) الحكومة، لذلك كنا نلعب كرة ونشجع المريخ، لأن أناساً من المنطقة كانوا يلعبون في المريخ، في سنة 65 كان “إسماعيل محمد بخيت” ونحن نحيي “جمال الوالي” ونقول له هذا اللاعب كرموه.
{ ما هي المباريات العالقة بذاكرتك للمريخ؟
–    مباريات كثيرة جداً، ولكن المباراة التي أخذ فيها المريخ (كأس مانديلا) وكنت وزيراً في ذلك الوقت كانت مباراة تاريخية. وهنالك مباريات كثيرة مع الهلال، والإذاعة في الوسطى كنا نملك (راديو) وكان الوسيلة الوحيدة للمعرفة ونقل الأخبار وتثقيف المجتمع، ولم يكن هنالك تلفزيون، إذ جاء في 62، وكنا نحب (الراديو)، وكنا نسمع المباريات ونسمع “طه حمدتو” وهو المعلق الأول، كان يصف المباراة بما يشعرك وكأنك في الإستاد، وكنا نستمع للمباريات أو (لسان العرب) أو (دراسات في القرآن الكريم) لـ”عبد الله الطيب” أو ما (يطلبه المستمعون) والذي كانت تقدمه “سعاد أبو عاقلة”، وأذكر أن في عام 70 طلبت عبر هذا البرنامج بخطاب أرسلته بـ(البوستة) سماع أغنية لـ”سيد خليفة”.
{ لمن تستمع من الفنانين؟
–    الفن السوداني كله فن جميل ومطرب وكل الفنانين نستمع لهم، ولكن كنت أحب “سيد خليفة” لأنه رجل مسرحي وروحه مرحة وتشعر أنك متفاعل معه، هذا ما جعلني أحبه رحمه الله، كذلك أستمع لـ”وردي”، “محمد الأمين”، “أحمد المصطفى”، “عثمان حسين”، “صلاح ابن البادية” وثنائي العاصمة.
{ يوم فرح؟
فرحت يوم قبولي في الثانوي عندما سمعت اسمي مع المقبولين عبر (الراديو)، وكان يوماً تاريخياً رغم أنني لم أكن “مبسوط”، إذ تم قبولي بمدرسة (ملكال الثانوية) ونُقلت للتو لـ(وادي سيدنا) وكنا الدفعة الثانية في (ملكال الثانوية) سنة 71، أما الفرح الثاني فكان في الشهادة السودانية عندما يذاع اسمك ورقم جلوسك ضمن الناجحين، وأيضاً يوم العرس.
{ أيام حزنت فيها؟
–    حزنت لوفاة والدي وكنت صغيراً ولم أكن أقدر حجم الفقد، توفي في 25 مايو 65، قتل في منطقة قريبة من “الرنك” في التمرد الأول.. كنت أحزن عندما أحتاج لولي أمر.
{ مدن راسخة في ذاكرتك؟
–    مدينة “ملكال” للحيوية التي عشناها فيها.. ومدينة “الأبيض” ذهبت إليها في سنة 69، خارجياً “سنغافورة” لأنها مدينة تبدو وكأنها لوحة من الأناقة والنظافة والانضباط.
{ زملاء في الذاكرة؟
–    لأن المدة طالت لدينا زملاء كانوا أصحاب وأصدقاء خاصة من منطقة “الرنك” كثيرون جداً.
{ أسرارك لمن تبوح بها؟
–    للزملاء من المنطقة وأترابنا وهم يعرفونها دون أن أخبرهم، لأنهم يعيشون معي في مدينة واحدة ونلعب مع بعض.
{  يلاحظ أنكم في الجنوب تميلون لتعدد الزوجات؟
–    هذا نوع من القضايا الخاصة، ولأنني (دينكاوي) و(الدينكا) متعددون في مسألة الزواج، لأن الطفل عندهم يرضع سنتين والمرأة التي ترضع لا يقربها الرجل، وبالتالي لابد للرجل من أن يتزوج.
{ قصة الأب عندما يموت وميراث الولد؟
–    هذا كان قديماً، لكن الآن مع التعليم والتطور لا يوجد هذا الأمر، كان موجوداً الولد الكبير يرث كل شيء.
{ هل توقف تعدد الزوجات الآن؟
–    لا التعدد موجود، لكن نسبة للظروف أصبحت هنالك صعوبات.
{ يقال كلما كانت المرأة جميلة كلما كان مهرها غالياً؟
–    نعم والجمال نسبي، هناك ناس معيار الجمال عندهم الشعر وبعضهم الطول، وعند (الدينكا) في الغالب هو القوام والطول وبياض الأسنان، هذه من الأشياء التي ترفع المهر إذا بنت عمدة أو سلطان، وزمان المدارس كانت محدودة للبنات، فإذا كانت متعلمة  فإن هذا يرفع مهرها.
{ هل تغيرت العادات هذه؟
–    نعم تغيرت والطقوس لم تختلف، ولكن دخلت عليها أشياء جديدة مكتسبة من المدن.
{ “عبد الله دينق” يدخل المطبخ؟
–    ما بعرف أطبخ ولكنني أعمل الشاي.
{ هل تدخل السينما والمسرح؟
–    نعم أدخل المسرح السوداني بالذات “الفاضل سعيد” كل مسرحياته دخلتها “نحن كدا”، “الفي راسو ريشة” و”مكي سنادة” (خطوبة سهير)، و(عنبر المجنونات) و(بيت بت المنى بت مساعد)، وأخيراً دخلت (النظام يريد)، السينما لا أدخلها كثيراً بالرغم من وجودي في “القاهرة”، ولكني أحب “عادل إمام” وشاهدت (مدرسة المشاغبين)، أنا أحب الكوميديا ولكن الهادفة.
{ ماذا بقي لك في “القاهرة”؟
–    أنا ما زلت مرتبطاً بها، وأسرتي تقيم هنالك منذ 2011م، وأتجول في المناطق التي كنت أمشي فيها (الأوبرا) و(الموسكي) و(سيدنا حسين).
{ ما هي دور الكتب التي تحب التردد عليها هناك؟
–    دار مدبولي.

 

 

المجهر السياسي


تعليق واحد

  1. مع كامل الاحترم للأستاذ عبد الله ود. ستيلا قايتانو وغيرهم من مشاهير المجتمع بدولة جنوب السودان والذين صوتوا للانفصال وبعضهم أسماه (استقلالا) .. وتصريحات باقان عن (وسخ الخرطوم) وباي باي (أراب) وذهابهم لدولة الجنوب، ثم اضطرارهم للعودة (لاجئين) فرارا من (السودان الجديد) جنة الله في أرضه… فان معظم الشماليين لم يعد لهم استعداد نفسي لتتبع أخبارهم، مع تمنياتنا لهم بكل الخير، مع وافر الود .