تحقيقات وتقارير

التّفكير خارج الصندوق.. ومن الحاسِد والشنّاف ربّنا قدّر وشاف


طريقة التفكير التي ننتهجها في حياتنا نحن السودانيين تبدو في غالب الأحيان وكأنها غير ممنهجة، فنحن نفكر بعقل جمعي يتبنى أفكاراً سائدة ومفاهيم بائدة عفا عليها الزمن ولا نزال نتباهى بها إرثاً ينبغي الحفاظ عليه، وهكذا نظل نتباكى على أمجادنا التي فرطنا فيها، وإنما نحن في واقع الأمر نتمسك بعاداتٍ وتقاليدَ بالية.
أنا سوداني أنا
نستمع إلى (أنا سوداني أنا) برأسٍ مرفوع، بينما نصف وبكل بساطة من تكاسل في العمل وتأخر عن موعد واستهان بنظافة الأماكن العامة بـ (السوداني)، وكأننا نبرر تصرفاته كي لا يجد الآخرون غرابةً فيها، فلا تعجب إذا رأيت سيارةً فارهة انفتح زجاجها وسط الشارع ليرمي من بداخلها قارورة مياهٍ معدنيّة، ولا تعجب إذا وقفت في صفّ لإنجاز معاملةٍ ما، ووجدت جميع الموظفين في (الفطور)) أو (الصلاة)، ولا تعجب لو رأيت كُتلاً متراصّة من (التُّمباك) أسفل حائط مكان عام.
وأهل الحارّة ديل أهلي
نتحمّس مع أهل الحارّة ديل أهلي بينما في (الحارّات الصغيرة) قد تجد نفسك وكأنك (مقطوعاً من شجرة)، فلا تعجب لامرأةٍ (مشمّعة) داخل بص وبجوارها شابٌ فتيّ يجلس غير مبالٍ، ولا تعجب لأسرة فقيرة وابنها مترفّ، ولا تعجب من (شَكلَة) بين شخصين تعطّل سير الحركة ليقف العشرات تحت هجير الشمس تاركين أعمالهم يتفرجون في هذا للفرجة على الأمر التافه.
نتنطّع بـأبيات العبادي (يكفي الجنس سوداني) بينما ما زال السؤال (جنسك شنو؟) قائماً كقاعدة وأساس للتعارف بين الناس، بل ومطلوباً في بعض الأوراق الثبوتية الرسمية، فلا تعجب إذا سمعت مثقفاً ينتقد أحدهم ويصفه بـالــ (….)، ولا تعجب إذا رأيت أسرةً متديّنةً ترفض زواج ابنها من فتاة لأنها من وجهة نظرهم (…)، ولا تستغرب إذا صادفك شخصٌ نال درجةً علميةً رفيعة لا يزال يصف الناس ويحكم عليهم بانتمائهم القبيلة.
لم نولد بعد
نتباهى بـ (ويسطّر التاريخ مولد شعبنا) بينما نحن في واقع الأمر لم نولد بعد؛ بل ونعيش في حالة مخاضٍ دائم وإجهاضٍ متكرّر، فلا تعجب إذا فاتتنا الدّول والشعوب ونحن في مكاننا نتفاخر بأننا كُنّا أو….، ولا تعجب إذا عاصرت حقبةً أو اثنتين كل واحدةٍ تأتي وتبدأ من جديد؛ فقط لتثبت أن سابقتها كانت على خطأ أو أنها لم تفعل شيئاً!! وعلى ذلك يمكن قياس الواقع بدءاً من الإدارات الصغيرة حتى في (الدّكاكين).
غربلوها
لِمَ نعيش في الأوهام ونتمسك بها بحجة أنها موروثات وقِيم سودانية؟! لِم لا نراجع مناهجنا الدراسية ووسائل التربية وما تحويه من رسالات وتنّميه ومقدرات؟ لِم لا نعيد قراءة ما نسميها بـ (العادات والتقاليد والأعراف) نُغربلها فنحتفظ بالجميل الإنساني ونتخلص من القبيح المفضي إلى التخلف الذي يُفرّق أكثر مما يجمع بين القوميات السودانية.
نفقد وظائفنا في الخارج بسبب توطين الوظائف واحتكارها لأهل بلدها، بينما – نحن-  نستورد عمالةً أجنبية لأبسط الوظائف وشبابنا يتنقّل بين (الضّللة) لأنه يترفّع عن العمل، لِم لا نستطيع أن نستوعب أن كل عمل – وإن استصغرناه- شريف وحلال، وأن احترام الآخرين وتقديرهم وتقييمهم غير مرتبط بجنس أو قبيلة أو منصب؟
نفلح في التنظير و(الشّناف)، والمضحك أن ما (نشنّفه) لا يمكننا فعله أو نيله أحياناً، نحب أن نمسّخ) أشياءنا)، فقط لأننا نحب أن نظهر بمظهر العارفين والـ (مقطّعنّها)، بينما نبخس جهود الآخرين، الأمر الذي يشير إلى ضعف شخصيتنا التي لا تستطيع الوصول إلى ما تدأب على نقده نقداً هدّاماً ساحقاً ومستفزاً، وللأسف كثيراً ما يكون هذا الانتقاد صادراً عن خلفيات قبلية أو انتماءات جهوية ضيقة.
شارع الحوادث
المعرفة والإنجاز ليست حكراً على أحد، التقدّم دوماً يحتاج لتضافر الجهود، فـ (الإيد الواحدة ما بتصفّق)، فعندما ينتقد الكُبار وأهل الإعلام المبادرات الشبابية ويكيلون لها السّباب والانتقاد غير المبرّر ولا المنطقي، فقط لاختلاف وجهة نظرهم في ما قدّموا من عمل فيصنّفوهم بالشّيوعيين تارة أو مناضلي الكيبورد أو غيرها من التسميات تارى أخرى، فهذا لعمرى أمر يحتاج مراجعة ونقد.
مربط الفرس في الموضوع، هو هل ما قدّمه هؤلاء الشباب إنجاز ويخدم هذا البلد؟ أم لا؟ إذا كانت الإجابة نعم؛ فدعوا الشباب يفعل الخير، وإن كانت لا؛ فتحسّسوا وطنيتكم وإنسانيتكم!
التفكير خارج الصندوق
وهذا مصطلح يدل على الابتكار والإبداع، والصندوق عندنا عايز مفتاح والمفتاح عند النجار و…. التحية للمبادرات الشبابية التي كسرت الصندوق وفكّرت خارجه وعملت بجد واجتهاد، إن الكرامة والعزّة والرّفعة ليست حِكراً على أحد، لأنها سلوك وتربية في الأساس وخُلُق.. التقدير والإجلال لمبادرة شارع الحوادث

 

 

اليوم التالي