مقالات متنوعة

عبدالله إبراهيم علي : هذا الوقت سوف يمضي


هناك من يبالغ في الفرح ويظن أنه سوف يستمر. كما أنَ آخرين يبالغون في الحزن باسترجاع الذكريات الأليمة ويحسونه بأنه سيظل دوماً معهم، فطبيعة الحياة عثرات، قد يصاب فيها الانسان بالآلام والمصائب يوماً بعد يوم، الا أنهم ينسون أن بعد الضيق فرجا، فقد نفقد أشياءً جميلة ونقول لا تتعوض وقد نتفاجأ بأشياء أجمل تُنسِينا ما لا يُعوض، وقدْ لا تكونُ جميع أيامنا جيدةً وجميلة، ولكن هناك دوماً شيئا جميلا في كُل يوْم نعيشُه.
كما أنَ السعادة قد تتخللها أحزان وتنقلب علينا الموازين تارةً أخرى الى أشياء لم نتوقعها فنتضايق منها، هكذا هى سنة الحياة يوم لنا ويوم علينا، وتختلف انطباعات الناس وردود أفعالهم، فمنهم من يقنط، ومنهم من يصبر على محنته ويتخذ من كبوته دافعاً لتحقيق الهدف، والصالحون يتقبلون لحظات الألم رُقِياً وسُمُوًا وروحانية، فالأمل يحمل في طياته كل جميل ويجعلنا نتخطى لحظات الحزن عندما نعلم أن هذا الوقت المؤلم سوف يمضي، فالأمور لا تبقى كما هى خصوصاً عندما نفقد عزيزاً لدينا بسبب الموت أو الفراق.
ولنتذكر أصحاب رسول الله والأوائل من السلف حين يصبرون عندما تشتد بهم المصائب ويبتسمون وقت الضيق ويلجأون الى الله لقضاء حاجاتهم، فترتسم البسمة على شفاههم وتعلو على وجوههم علامات الشكر والحمد، وكيف لا يصبر المؤمن بالله في لحظات البلاء وعنده ساعات السجود ودقائق الاستغفار؟ ولأن ترسم ابتسامة تفاؤل ورضا على محياك، ليس بالضرورة أنك خالٍ من الهموم والأوجاع، ولكنها تعنى أنك قادر على الصمود أمامها.
فعندما يكون هناك أمل، حتى الفرحة التى تنتهى بسرعة سوف تعقبها أفراح أخرى، ولن يكون هناك مكان للاحباط لمجرد أنَ الفرحة لم تكتمل، وذلك بالتفاؤل والأمل واليقين، وتمضى الأحزان كما تمضى الأفراح وهذه سنة الحياة فرحٌ وحزنٌ، وكثيرون يظنون أن السعادة تدوم ما دام الناس على قيد الحياة، وهنا تحضرنى عبارة (يا فرحة ما تَمَت!)، للذين لم ينتبهوا أن الفرحة أيضاً لها نهاية خاصة عند المبالغة في الاستمتاع بها تحت وطأة نشوة السعادة، والأزمات عمرها قريب وسوف تنجلي، فاذا انجلت ذهبت أيامها ولم تعد، فكيف ننكسر عند المصائب؟
وتحضرنى قصة، حين مرَ النبى صلى الله عليه وسلم على امرأة وهى تبكى ابناً لها بجوار قبره، فَقَالَ لَهَا: (اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرِي)، فقالت له: اليك عني، انك لم تُصَب بمصيبتي، قال لها: (انَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى).
ويحكى أن أحد ملوك الهند سأل وزيره، وفي رواية أخرى سأل حكيماً أن ينقش على خاتم له جملة اذا قرأها وهو حزين فرح، واذا قرأها وهو سعيد حزن حتى لا يبالغ في فرحه وسعادته، فنقش الوزير على خاتم الملك: (هذا الوقت سوف يمضي).
وسواء أن كانت هى فكرة وزير أم هى حكمة حكيم، ففي الحقيقة هى واقع نعيشه الآن ولكن لا ينتبه اليه الكثيرون من الناس، وهى جملة تصلح في مواقف كثيرة، فأوقات الآلام ما تلبث أن تمضي، وساعات المحن عن قريب تنقضي، والعسر ما يلبث أن يصير يسرًا، والحزن سوف يصبح سعادة بمشيئة الله.
أخيراً اذا أردتَ شيئا، فــلا تـتـعـلـق به كثيراً ولا تتأمل كثيراً بالحصول عليه ربما لا ينكتب لك فتتألم، وليس كل من يبتسم هو بخير، فبعض الابتسامات اختصارٌ للكثيرِ من الوجع.