تحقيقات وتقارير

“سفينة الإنقاذ” و”جبال الجليد” ربما أعادت واشنطون النظر في سياساتها السابقة تجاه الخرطوم فهل يضع الاتحاد الأوروبي لبنة جديدة في العلاقة مع السودان


عابراً من شارع المعونة البحراوي ليجد نفسه في شارع الإنقاذ مواجهاً لركام مصنع (الشفاء) يعيد النظر كرتين ليقرأ في يومية اليوم التالي عن وصول مساعدات أمريكية إلى ميناء بورتسودان في طريقها لداخل الأراضي السودانية. ترتفع عنده الاستفهامات: هل تم الوصول بعلاقات الخرطوم وواشنطون إلى مرحلة التعافي أخيرا؟

في البال مواجهات السنين منذ إعلان الخرطوم بحكومتها الجديدة أنها البديل الموضوعي لمعسكر الشرق الذي انهار ذات صباح، الصباح المتبوع بليل وضع أكبر الأقطار الأفريقية آنذاك في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب وبالطبع ترفع شعارات المواجهة مع الدولة الأعظم في عالم ما بعد الثنائية القطبية وأصبح بينهما ما صنع الحداد.

سفينة المساعدات الإنسانية الأمريكية وهي ترسو في ميناء بورتسودان يوم الثلاثاء ترسم في البر استفهاما آخر: هل غيرت سفينة الإنقاذ مسارها القديم وبدأ الإخوان رسم طريق مختلف مرصوف هذه المرة بتعريف السياسة بأنها لعبة المصالح وتحقيق التطلعات؟

يمضي مراقبون في قراءتهم من خلال التفسيرات الجديدة لمسار الحراك السوداني إقليمياً ودولياً ويدعمون فرضيتهم بالحراك الكبير لرئيس الجمهورية المنتخب المشير البشير وهو يمضي بين الرياض والدوحة قبل أن يهبط في الخرطوم قبل أيام قلائل من إعلان الحكومة الجديدة وأداء القسم كخطوة أولى في واقع يبدو أنه سيأتي مختلفاً وفقاً لحديث أهل الحزب الحائز على أغلبية الأصوات أو يجب أن يكون مختلفاً ومتوائماً مع تغيرات المشهد الإقليمي.

يقول البروفيسور عصام الدين عبدالوهاب بوب المحلل الاقتصادي المعروف، إن وصول مساعدات إنسانية أمريكية للبلاد يعد خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح تعني فتح الباب واسعاً للعون الإنساني من دول أوروبية أخرى، ويعتبر بوب أن وصول هذه المساعدات التي تشتمل على أدوية ومواد غذائية مثل القمح وغيره، يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أعادت النظر في سياساتها السابقة تجاه السودان في هذا المجال، ويتوقع البروف أن هذا الأمر من شأنه أن يضع لبنة جديدة في علاقة الخرطوم مع الاتحاد الأوروبي.. يجدر التذكير في هذا الجانب بما تداولته صحف الخرطوم حول تلقي الرئيس البشير لخطاب بغية الالتقاء بالاتحاد الأوروبي وممثل لدولة النرويج، الأمر في هذا الاتجاه يمضي في اتجاه إيجاد حلول لمشكلة دولة الجنوب المتفاقمة وإيقاف النزيف هناك، لكن الأمر في جانبه الآخر يتعلق بدور إيجابي يمكن أن يلعبه السودان في التعاطي معه أوروبياً في البعد الإقليمي وبالطبع في تغيير الصورة النمطية لحكومته عند الأوروبيين.

وبدا القائم بالأعمال الأمريكي في السودان سعيداً بوصول السفينة، وأكد في حديثه للصحافيين استمرار دولته في تقديم الدعم للنازحين في السودان في إقليم دارفور وللأطفال في شرق السودان وأن كمية الغذاء التي وصلت الآن تمثل الدفعة الأولى من التزامات المعونة الأمريكية لبرنامج الغذاء العالمي في السودان للعام الجاري وهو ما يعني أن ثمة قادما على الجميع انتظاره.

ويرجع البعض الموقف الأمريكي الجديد من السودان إلى أنه نتيجة فعلية للحراك الدبلوماسي الكبير للخارجية السودانية في إشارة لزيارة وزير الخارجية على كرتي إلى واشنطون وزيارة مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور أيضا وهو ما أدى لتذويب جليد الخلاف ورصف الطرق أمام مسارات جديدة للعلاقات.. لكن الأمر نفسه لا يمكن البناء عليه باعتباره حاسماً لمجمل اختلافات الوقت السابق؛ فالصورة ما تزال موضوعة في إطارها القديم، بالنظر لنوع المعونات التي قدمت، فهي معونات في الإطار الإنساني وستذهب إلى المتضررين في إقليم دارفور من المدنيين ومن الصعب الجزم بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستقوم برفع عصاها الموجهة للخرطوم بمطالب ضرورة تسوية الصراعات ووضع نهاية للحرب الدائرة في الإقليم، وهو ما يدفع البعض للتفكير في أن التي تغيرت هي الوسيلة لإنجاز هذا الهدف.

الخرطوم التي وصف وزير خارجيتها حديث الاتحاد الأوروبي عن التطرف بأنه محض جنون ومحاولة للتملص عن الحوار المباشر بين الجانبين، هي ذاتها الخرطوم التي تمضي لسبيل إنجاز استحقاقات حكومتها القادمة يرافقها ارتياح لخطواتها الجديدة مدعومة ببعدها الإقليمي وبتحسين علاقاتها مع الخليج العربي يرافقها أيضا التفاؤل حول الخطوة الجديدة لواشنطون، ويمضي رئيسها مدعوماً بأغلبية الشعب الانتخابية لأداء القسم ومن ثم الجلوس لمقابلة الاتحاد الأوروبي والنرويج من أجل معالجة قضية الجنوب، لكن معالجة قضايا دولته مع الآخرين ستكون هي الأولوية..

هذه المشاهد مرسومة بمشهد السفينة الراسية في ميناء بورتسودان تقول إن قادم واشنطون والخرطوم سيرسو على بر التعاون بعد سنوات القطيعة الطويلة. أو هكذا يرى المتفائلون

 

اليوم التالي

 


تعليق واحد

  1. في الذكرى الخامسة و العشرون لثورة الانقاذ تصل سفينة المساعدات الامريكية لتستقبلها ثورة الانقاذ بالاحضان تماما” كما استقبل الشعب السوداني ثورة الانقاذ قبل ربع قرن !!

    كم انت طيب ايها الشعب السوداني ! .