محمود الدنعو

نسيم الأردن والنيل


دائما علاقات الشعوب تقاس بمعيار التقارب الثقافي والفكري وبالمنافع الاقتصادية المتبادلة أكثر من معيار السياسة، أو هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا ألبي دعوة كريمة من السفارة الأردنية بالخرطوم للاحتفال بالعيد الوطني التاسع والستين للمملكة الأردنية الهاشمية. فالحفل الذي شهده جمع من الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين وأبناء الجالية الأردنية بالخرطوم تحدث خلاله القائم بالأعمال بالإنابة رامي الخوالدة ووزير العدل محمد بشارة دوسة ممثلا للحكومة السودانية وأكدا أهمية العلاقات الأزلية وضرورة الارتقاء بها.

ولكن الفقرة التي نالت الاهتمام كانت فاصلاً غنائياً حماسياً لفنان أردني جاء إلى الخرطوم خصيصا لهذه المناسبة، وعندما بدأ يتغنى للنشامي ضجت القاعة بالرقص الحماسي وتعالت الأصوات مرددة خلفه ومنفعلة بما يقول من كلمات تجمد الوطن ومليكه المفدى.

وبينما الحماسة والرقص على درجة حرارة خارج القاعة في صيف الخرطوم الحالي، كنت أتفرس وجوه الأردنيين وبعض الضيوف من السودانيين، فثمة تجاوب مع الإيقاعات الحماسية والرقص، وعندي هذا أهم رابط بين شعبين وأقوى من كل الروابط السياسية والأمنيات التي أطلقها المتحدثان الرئيسيان في الحفل بمستقبل أفضل لهذه العلاقات التاريخية بين الشعبين والبلدين.

العمل على تعزيز عري الروابط الثقافية هو ما يجب على الدبلوماسيين في البلدين العمل عليه بكل اجتهاد، وكذلك المنافع الاقتصادية المتبادلة بين الشعبين، فهي الأقوى من السياسية وذات ديمومة أطول بكثير من تقلبات السياسية اليومية.

سفير السودان الراهن لدى الأردن الدكتور الصادق الفقيه من المشتغلين بقضايا الفكر والثقافة والطموحات، وتشهد العلاقات الثقافية والتبادل الثقافي مع الأردن في عهده انتعاشاً كبيراً، وستكون أولى البشريات هي ما تناولته وسائل الإعلام مؤخراً عن زيارة مرتقبة للخرطوم بعد شهر رمضان الكريم من قبل صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال بن عبد الله، وهو مفكر عربي كبير، وفي حله وترحاله يتعاطى الفكر والثقافة، حتى وإن كانت زيارته لأسباب سياسية.

ومن المصادفات الجميلة هذه الأيام أن الأردن تتنسم أريج السودان الثقافي عبر معرض (نسيم النيل) للفنان السوداني عبد القادر البخيت، الذي أقيم بغاليري دار الأندي في جبل اللويبدة، وافتتح برعاية سمو الأميرة وجدان الهاشمي، وبحضور عدد من التشكيليين والفنانين الأردنيين.

وبحسب صحيفة الغد الأردنية يتحدث البخيت عبر معرض (نسيم النيل) عن حضارة إنسانية منتشلة من قيم وحضارة وطنه السودان، ذاهبا بتلك اللوحات إلى البعد الإنساني للقصص والحكايات الشعبية.

انقلوا (نسيم نهر النيل) إلى الأردن و(نسيم نهر الأردن) إلى السودان، فتبادل هذه النسائم من شأنه ترطيب أجواء السياسة التي تتلبد بغيوم عابرة.