داليا الياس

أنا والخليج


على غرار لقائي التاريخي بالبحر الأحمر على شاطئ مدينة بورتسودان الجميلة، وبذات الدهشة وربما أكثر.. أحدثكم اليوم عن لقائي الأول بالخليج العربي على شاطئ دوحة العرب. هذا اللقاء الذي أكد لي أن علاقة الوجدان بالبحار والخلجان والمحيطات المالحة أكثر حلاوة من علاقتها بالأنهار العذبة!!

فاللون الأزرق المتمازج عند خط الأفق ما بين السماء الصافية وصفحة البحر الممتد، يحلق بك فى عوالم حالمة من النقاء.. وكأنما يطهرك ذلك الماء المالح من كل الشوائب المكتسبة التي تعلق بروحك يوماً بعد يوم بفعل دوران عجلة الحياة الطاحنة وتفاصيلها العصيبة.

ومياه الخليج التي رأتها عيناي فيروزية اللون.. لا هي زرقاء ولا بيضاء.. تتماهى أمواجها بعدة ألوان تخطف الألباب وتسبح بعظمة الخالق! هذا اللون الفيروزي النادر يظل مسيطراً على أعماقك ويتبدى لك في كل ملامح دوحة العرب بما فيها (التاكسي) ذو اللون الرومانسي العجيب!

يممت وجهي صوب تلك المدينة الرائعة في سانحة ذهبية باغتتني بها الظروف دون ترتيب مسبق.. فوجدتها أجمل وأنظف وأرقى من كل توقعاتي، تتفوق على العديد من مدن الخليج المبهرة الصاخبة المتطورة حد الترف.. فدوحة الخير تتميز بالوقار والهدوء، ويتميز القطريون بالذوق الرفيع والدماثة واللطف.. ويتميز السودانيون هناك بأنهم نخبة منتقاة، يشغلون أرفع المناصب.. ويتقدون بالذكاء والحيوية والأفق المتسع.. هم صفوة من أبناء بلدي.. يجتمعون على حب الثقافة والتواصل، ويتذوقون الفن والأدب والجمال بمختلف صورة.. وهذا ما جعل الأمسية المرتجلة – التي أقمتها هناك برعاية كريمة وتنظيم دقيق من رابطة (عزة) للمرأة السودانية بقطر، وتحت إشراف مباشر من السفارة السودانية هناك – ناجحة بكل المقاييس.. وستظل دائماً علامة فارقة في تاريخي الشعري المتواضع القصير.. فالمكاسب التي أحرزتها لا تحصى.. ويكفيني سعادةً وفخاراً أنني خرجت بصداقات رائعة ونبيلة أرجو أن تظل طويلاً.. وتمرغت في أسمى إحساس يمكن أن يدغدغ إنسانيتك والكل يحيطك بالاهتمام والمحبة والحفاوة والتقدير.

لم أكن أتوقع أن يكون اسمي المتواضع قد طرق آذان الجالية هناك.. ولكن زيارتي القصيرة جداً لدوحة العرب كانت بالنسبة لي مقياساً مباشراً ألقى على عاتقي المزيد من المسؤوليات تجاه الكلمة التي أكتبها أياً كان نوعها. وهذا أضعف الإيمان الذي يمكن أن يلتزم به الكاتب حالما شعر بأن له تأثيراً مقدراً على المتلقي والقارئ.

أمضيت أيامي القلائل في رحاب أمارة قطر وأنا منبهرة بالحياة الكريمة بعيدة المدى التي تتم تهيئتها والتخطيط لها هناك.. وكأنما حكامها يتمتعون ببعد نظر عام.. لا ينظرون تحت أقدامهم.. ولا ينشغلون بتحقيق المكاسب الفردية.. بل يمعنون في توسيع دائرة التطور لأجل أجيال ستأتي بعد عشرات السنوات!!

وما بين (سوق واقف) حيث بنى التاريخ كما كان.. وما بين مدينة الدوحة الجديدة التي يرسم فيها المستقبل.. وما بين مطار حمد الدولي الذي يأتي على كل ما بداخلك من دهشة وإعجاب.. تظل الحسرة تقتات من قلبك وتستدر دمعك وأنت تتمنى أن ترى السودان يوماً ولو في لمحة من هذه الصور الزاهية بالإنسانية والإبداع والتطور والإشراق والنماء والرخاء و.. و.. و.. ألا ليت.. وليتنى أيضاً أعود مراراً لألتقي الرائعين على شاطئ الخليج في مدينة الروعة.

تلويح:

تحياتي ومودتي وامتناني لكل من ساهم في تميز تلك الزيارة الميمونة.. ابتداءً بسعادة السفير/ حسين محمد حسين، مروراً بسيدات عزة الجميلات وانتهاءً بأصدقائي الأعزاء رموز الكرم والولاء وهؤلاء لهم في القلب حيز وسكن.