مقالات متنوعة

أحمد يوسف التاي : الفساد


دعوني أعترف أنني لأول مرة أشعر بتفاؤل كبير إزاء إعلان الحكومة محاربة الفساد، فهناك كثير من المعطيات والمؤشرات القوية التي تحملنا حملاً إلى هذا التفاؤل أكثر من أي وقت مضى، لا أريد الخوض في هذه المعطيات ولكني أشيرُ فقط إلى عبارات وردت في حديث الرئيس في هذا الصدد وهو الحديث الذي انفردت (الصيحة) بنشره أمس والعبارات هي:(هناك رأي عام تشكّل حول وجود فساد) و(إتنين كان قالو ليك راسك مافي ألمسو) و(حتى يطمئن الشعب أن قيادة الدولة طاهرة وشريفة)، ومعلوم أن الشعب لن يطمئن أبداً إلا إذا تابع سير قضايا الفساد في محاكم مفتوحة يقدم فيها كل من حامت حوله شبهة فساد، والشعب لن يطمئن إلا إذا رأى المتهمين هم من يدافعون عن أنفسهم وليس الحكومة هي من يدافع عنهم ويحميهم… مبعث تفاؤلي أيضاً أن الحكومة كانت تنكر وجود فساد وتتعاطى مع الحديث حوله بحساسية مفرطة وما كانت تتصالح مع أي حديث من هذه الشاكلة أبداً، لكن حديث الرئيس بأن (إتنين إذا قالو ليك راسك مافي ألمسو) يعني أن هناك استعداداً كاملاً للتعامل بجدية مع ما يُنشر حول قضايا الفساد، كما يعني أن حساسية التعاطي مع الحديث حوله قد زالت، لذلك دعونا نتفاءل هذه المرة ولنرى… محاربة الفساد كما قلنا كثيراً تحتاج إلى قرار سياسي شجاع وعزيمة قوية، وطاقة جبارة، وجرأة في الحق لا تلقي بالاً إلا للتهيُّب ليوم الحساب، وليكن القدوة في ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز حينما أصبح رئيساً للدولة الإسلامية، فقام بسحب كل مخصصات الأمراء من عشيرته وعائلته، وألغى جميع امتيازاتهم، ونزع منهم الإقطاعيات الزراعية، وأودعها جميعاً بيت مال المسلمين، وبدأ بنفسه وتخلى عن كل أمواله وأملاكه حتى أرض (فدك) التي ورثها من أبيه – الأمير الأموي – وذلك عندما سأل نفسه من أين لأبي هذه الأرض، وأدرك حقيقتها أن الله سبحانه وتعالى أفاءها على رسوله (صلى الله عليه وسلم) في يوم خيبر فخصصها لأبناء السبيل، وعندما آلت الأمور لـ (معاوية) فوهبها لـ (مروان بن الحكم) ومن مروان إلى ابنه عبد العزيز والد الخليفة (عمر) الذي كتب إلى واليه في المدينة أن يضمها لبيت مال المسلمين ويصرف ريعها على النحو الذي كان يفعله الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وحينما بدأ بنفسه جمع كل ثروته، وحتى حُلي زوجته وبناته وثيابه الفاخرة وأودعها بيت المال، ثم أخذ ينزع كل ما أخذه الأمراء من بني مروان والمسؤولون بغير حق، أو استغلوا فيه نفوذهم وأودعه خزينة الدولة، وهو يعلم أن هذه الثروات التي جمعوها وأثروا بها ليست بعرق جبينهم ولا كدهم وإنما هي حق المسحوقين، فكان القرار الشجاع والعزيمة على رد الحق لأصحابه.. الآن لا نريد من المسؤولين أن تكونوا عمر بن عبد العزيز ولكنّا نريد أن يكون شعارهم الآية الكريمة :(وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) والجرأة في الحق والخوف من الله عند تطبيق مبدأ(من أين لك هذا) في كل المشبوهين.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…