عبد الجليل سليمان

بعد التُمْتُم و”ود أم بعلو” وأشياءٌ أخرى


أثارت معلومة عن إيقاع (التم التم) كنا أوردناه قبل شهر ونيف في هذه المساحة جدلاً كجدل (بيزنطة) ولغطاً يفتقر إلى الحد الأدنى من المعلومات التي فيما لو كان المجادلون بذلوا جهد المُقلين في الحصول عليها لأراحوا أنفسهم من مشقة الصراخ.
على كلٍّ، فالتُم تُم – أول بالأحرى (التام تام) إيقاع (سوداني)، لكن ليس بالأصالة وإنما مُكتسب عبر الحراك الديمُغرافي من تلك الرقعة الجغرافية والسكانية الهائلة المعروفة بدلتا النيجر، والمصحوب بالضرورة بحراك ثقافي، (تثاقف وكده).
وكمتقصٍّ ومهتمٍ بهذا الحراك، ينبغي لي أن ليس التم تم وحده هو وارد تلك (الدلتا) الرائعة التي منحتنا من الحكايات والأساطير والقصص والأحجيات والشخوص الهائلة التي استحوزت على ذاكرة وشكلت وجدان الكثير من الأجيال في هذه البلاد (السحرية/ العجيبة)، وأهم تلك الشخصيات الواردة من تلك (الدلتا) (ود أم بعلو).. وهو شخصية قديمة وكثيفة الحضور في ثقافات (غرب أفريقيا)، كما هي موثقة بدراسات ومراجع (موثوقة).. ومن كد وجد، ومن تكاسل وتقاعس في الحصول على هذه المعلومات لا يبنغي أن ينكرها أو ينسبها إليه.
بالمناسبة، لم أكن لأعود إلى هذه (العكة) – على أهميتها – لولا دفعني إلى ذلك ما صرّح به وقال الخبير بالموسيقى السودانية عاصم الطيِّب خلال مخاطبته ملتقى دال الثقافي بالخرطوم، حيث عدّ أن الكثير من الأغاني السودانية التقليدية الخاصة بمناطق النيل الأزرق بدأت في التحول إلى دولة إثيوبيا المجاورة بسبب الحرب المستمرة. وأن الكثير من المجموعات السكانية هاجرت بسبب الحرب إلى داخل إثيوبيا، وأن السلطات هناك شرعت في الاستفادة من التراث الموسيقي لتلك المجموعات وعرضها على أساس أنها تراث إثيوبي وليس سودانياً.
ثم استغرق (عاصم) واستطرد في تفاصيل كثيرة بث خلالها كم هائل من المعلومات الخاطئة، وهذا أمر محزن ومربك كون الرجل موصوفاً بالخبير في مجاله، وبالتالي فإن أي حديث صادر عنه – بهذه الصفة – سيؤخذ مأخذ الجد، وسيتم تداوله على أنه عين الحقيقة.
لكن واقع الأمر، وبعيداً عن مزايدات سياسية لا تحتملها الأمور الثقافية، فإن لا أحد تعجزه ملاحظة مواطن الخلل والضعف وغياب المعلومة في قول الرجل، وهذه أمور لا تليق بأكاديمي وباحث وخبير بل تجعل كل هذه الألقاب على (المحك). لأن الحقيقة هي: أن المجموعات الثقافية التي تقطن ولاية النيل الأزرق هي ذاتها التي تشغل (ديمغرافياً وثقافياً) إقليم بني شنقول – قمز الإثيوبي المجاور لها، وبالتالي فإن تبرير انتشار الأغاني التقليدية الخاصة بالنيل الأزرق في إثيوبيا بهجرة السكان المحليين إلى هناك بسبب الحرب، قول فيه سياسة أكثر مما فيه (ثقافة)، كما أن الادعاء بأن تلك الأغاني (سودانية) صرفة، هو مثل ادعاء ملكية (التم التم وود أم بعلو) ملكية مطلقة لا ينازعنا ولا يشاركنا فيها أحد وكأننا معزولون عن من حولنا لا نؤثر فيهم ولا يتأثرون بنا، وهذا أمر منافٍ للحقيقة على الأرض وفيه إنكار للواقع الماثل.
للأسف صرت أُصاب بالخوف والهلع مما يلفظ به الأكاديميون.

(صحيفة اليوم التالي)