تحقيقات وتقارير

تحدي “الخماسية الأصعب” أكثر رئيس تعاقبت عليه الأزمات.. ربما لكون فترة حكمه هي الأطول بين من تعاقبوا على البلاد


يعتبر البشير أكثر رئيس سوداني تعاقبت عليه الأزمات، ربما لكون فترة حكمه هي الأطول بين الرؤساء الذين تعاقبوا على البلاد. فعندما يؤدي الرجل الذي اكتسح منافسيه في انتخابات أبريل بأكثر من 94% من أصوات الناخبين اليمين الدستورية أمام البرلمان صباح اليوم فإنه بذلك يبتدر ولاية جديدة ترفع سنوات حكمه إلى 30 عاما.

والبشير الذي ولد في 1944 بقرية (حوش بانقا) في ولاية نهر النيل وتخرج في الكلية الحربية في 1967 كان قد اقتحم عالم السياسة والسلطة عبر المؤسسة العسكرية التي كان يشغل فيها رتبة عميد عندما نفّذ انقلاباً ضد حكومة المهدي في يونيو 1989.

انقلاب البشير كان مغايرا للانقلابات على المستوى الإقليمي، إذ كان أول انقلاب يصعد بتنظيم إسلامي

إلى السلطة في المنطقتين العربية والأفريقية حيث تعود هندسته بالأساس للحركة الإسلامية من خلال ضباط موالين لها في المؤسسة العسكرية يتصدرهم الرجل الذي كان ينشط في تنظيم الإسلاميين منذ دراسته بالمرحلة الثانوية.

وبسبب هذه الهندسة لمع نجم الزعيم التاريخي للإسلاميين حسن الترابي كحاكم فعلي للبلاد على حساب البشير، وبدأ الغرب ينظر للحكومة الجديدة كحكومة إسلاميين أكثر من كونها حكومة عسكرية على النسق الكلاسيكي للحكومات العسكرية في المنطقة.

وبعد إحكام الحركة الإسلامية سيطرتها على مقاليد الحكم عمدت إلى تبني خطاب معاد للغرب واحتضنت قادة إسلاميين معارضين لحكومات بلدانهم من بينهم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، وكان قادتها يتحدثون علنا عن (تصدير الثورة). وفي المقابل، سارعت واشنطن لتبني حملة غربية مناهضة حكومة الخرطوم إذ أدرجت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب في العام 1993.

وأمام كثرة الضغوط الغربية وتوتر علاقاتها مع دول عربية أخرى بسبب إيوائها للجماعات الإسلامية من بينها مصر، خففت الحكومة من حدة خطابها الأيديولوجي وطردت إسلاميين من أراضيها على رأسهم بن لادن، لكن ذلك لم يمنع واشنطن من التمادي في التضييق على الإنقاذ، إذ فرضت عقوبات اقتصادية قاسية على البلاد في 1997، كما قصف سلاح الجو الأمريكي مصنع الشفاء المملوك لصلاح إدريس بحجة تصنيعه أسلحة كيميائية في العام التالي.

ومع تمادي العزلة الغربية وتدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب العقوبات الأمريكية وارتفاع كلفة الحرب في الجنوب طفت إلى السطح خلافات البشير والترابي حول إدارة شؤون البلاد.

وفي ديسمبر 1999 وعلى نحو مفاجئ قطع التلفزيون الرسمي برمجته ليبث خطابا للرئيس ظهر فيه ببزته العسكرية وأعلن قرارات أطاح فيها الترابي الذي كان يشغل وقتها منصب رئيس البرلمان بصلاحيات واسعة من منصبه.

ورغم الكاريزما الكبيرة للترابي وسط الإسلاميين إلا أن كثيرا من تلامذته ناصروا البشير في خلافه معه، متهمين إياه بالانفراد في اتخاذ القرارات وحظي الزعيم العسكري أيضا بدعم جنرالات الجيش والمخابرات، واستطاع أن يحد من تحركات الترابي الذي أسس بدوره حزب المؤتمر الشعبي وتسبب إبعاده عن السلطة في تحسن نسبي في العلاقة مع الغرب.

وفي 2001 تم التوقيع على اتفاق ميشاكوس الإطاري برعاية أمريكية مع الحركة الشعبية شمل وقفًا لإطلاق النار ساعد في تحسين الوضع الاقتصادي بتخفيض النفقات العسكرية التي كانت تستحوذ على أكثر من 50 % من الميزانية بجانب تضاعف الصادرات النفطية التي بدأ استخراجها في العام 1998 بشراكة مع الصين والتي كسرت شيئا من العزلة الدولية بتعاونها مع حكومة البشير.

لكن وبعد مرور عامين ومع اقتراب التوصل لاتفاق سلام شامل مع الحركة الشعبية اندلع تمرد آخر في العام 2003 في إقليم دارفور اتهمت الحكومة الترابي بالوقوف وراءه. ورغم أن التمرد قادته ثلاث حركات مسلحة في ذات العام ولم يكن بينها أي تنسيق إلا أن قادة حركة العدل والمساواة التي طالما نظر إليها كأقوى الحركات كانوا من أبرز كوادر الإسلاميين الذين انحازوا للترابي في صراعه مع البشير رغم أنهم ينفون صلتهم التنظيمية به.

ومع شراسة المعارك التي خاضتها الحركات الثلاث والتي حظيت بدعم من دول مجاورة معادية لحكومة البشير وقتها مثل ليبيا وتشاد واستنزافها لخزينة الدولة إلا أن الحكومة عوضت شيئا من الفارق بالتوقيع على اتفاق سلام شامل مع الحركة الشعبية في يناير 2005. وكانت أبرز مكاسب الحزب الحاكم من وقف الحرب الأهلية في الجنوب التحسن النسبي الذي طرأ في علاقتها مع الدول الغربية.

إضافة لذلك، مهدت اتفاقية السلام الشامل، التي نصت على صياغة دستور انتقالي يتيح التعددية السياسية، إلى تنفيس الاحتقان السياسي بعودة أحزاب المعارضة المنضوية تحت لواء التجمع الوطني والتي كانت تتخذ من القاهرة مركزا لأنشطتها المناوئة للبشير.

وشهدت البلاد بعدها استقرارا نسبيا وازدادت شعبية البشير الذي بات واضحا أنه أحكم قبضته على المستوى الداخلي وحظي باعتراف غربي بشرعيته، لكن التوتر عاد مجددا عندما أصدر أوكامبو مذكرة توقيف بحقه في 2009. واتهم البشير المحكمة بأنها أداة (استعمارية) موجهة ضد بلاده والأفارقة.

والتزم البشير باتفاق السلام مع متمردي جنوب السودان المدعومين من الغرب والذي نص على إجراء استفتاء للاختيار بين الوحدة والانفصال مع وعود أمريكية بشطبه من قائمة الدول الراعية للإرهاب ما لم يعرقل تنفيذ الاتفاقية. ويعتقد على نطاق واسع أن رغبة الغرب في تنفيذ اتفاقية السلام وصولا للاستفتاء الذي كان محددًا له يناير 2011 هو سبب صمت الدول الغربية حيال انتخابات 2010 التي منحت البشير ولاية جديدة مع مقاطعة أحزاب المعارضة لها والتي اتهمته بتزويرها. وبالفعل أجري الاستفتاء وصوت فيه الجنوبيون لصالح الانفصال بأكثر من 98 % وأعلنوا دولتهم المستقلة رسميا في يوليو 2011 وكان البشير أول رئيس يعترف بها ومع ذلك لم تف واشنطن بوعدها بتطبيع العلاقات مع حكومته.

لكن لم يكن تنصل واشنطن عن وعدها هو أزمة الحزب الحاكم بقدر ما كانت الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة حاضرة وهي التي ترتبت على انفصال الجنوب الذي استحوذ على 75 % من حقول النفط، وكانت تدر أكثر من 50 % من الإيرادات العامة ونحو 80 % من مصادر العملة الصعبة للبلاد التي تستورد غالبية احتياجاتها من الخارج.

وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بعودة قطاع الشمال في الحركة الشعبية إلى التمرد مرة أخرى في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق قبيل أسابيع من الإعلان الرسمي للدولة الوليدة متهمين الحكومة بالتنصل عن الامتيازات التي منحتها لهم اتفاقية نيفاشا لمناطقهم.

وبهذه المعطيات واجه البشير بعض الاحتجاجات في الأعوام التي تلت الانفصال كان أقواها الاحتجاجات التي اندلعت في سبتمبر 2013 وخلفت عشرات القتلى وكانت سببا آخر في زيادة التوتر مع الغرب. ويعتقد على نطاق واسع أن احتجاجات سبتمبر كانت دافع الحزب الحاكم لطرح خطة إصلاحية قال إنها شاملة ودعا بموجبها كل فصائل المعارضة المدنية والمسلحة للحوار مطلع العام الماضي. واستبق البشير طرحها بإجراء تعديل وزاري غير مسبوق في ديسمبر 2013 أطاح فيه كبار معاونيه من الإسلاميين والذين ظلوا يتنقلون في المناصب الوزارية على مدار 25 عاما من حكمه، حيث كان أبرز المغادرين نائبه الأول علي عثمان محمد طه، ومساعده نافع على نافع واللذين ينظر إليهما كأقوى رجلين في النظام ومن القيادات التاريخية للحركة الإسلامية التي تمثل السند الشعبي للنظام.

ووقتها اتهمت المعارضة البشير بأنه يريد أن يحمل حلفاءه الإسلاميين مسؤولية الفشل الذي لازم مسيرة حكمه وقاطعت غالبية فصائلها دعوة الحوار، متهمة الحزب الحاكم بالمناورة لكسب الوقت.

ومع تعثر عملية الحوار التي تكافح آلية أمبيكي الأفريقية لنجدتها لا تبدو المعارضة محل تهديد جدي للنظام والذي لا يأمن بالمقابل قيام حركة شعبوية دوافعها معيشية بحتة لا يمكن الجزم إن كانت ستطيحه أم لا لكن المؤكد أنها ستجعل الأعوام الخمسة المقبلة هي الأصعب من الأعوام الثلاثين التي ستكتمل في 2020 والتي يتباهى الآن الحزب الحاكم بأنه قد شرع في استعداداته لانتخاباتها.

محمد الخاتم
صحيفة اليوم التالي


‫2 تعليقات

  1. ***ده إبتلاء للسودان والسودانيين ، ونسأل الله أن يرحمنا ويرفع غضبه عنا
    ***خادم الشعب قال … حاميها حراميها … قصور وفلل وأرصدة بالبنوك بالداخل والخارج وصناديق إستثمارية وشركات عقارية وتجارية ، وإستثمارات بمليارات الدولارات … نهب ما بعده نهب وعلى عينك ياشعب السودان ، بلشه ربنا إبتلشنا بيها … قال عمل إدارة للشكاوي والمظالم ترفع له مباشرة ؟؟؟؟؟ نشكيك لمين … الشكوى لله …. خربتم البلاد ودمرتم مواردها ونهبتم ثرواتها ، وبعتم أراضيها إستثمار شبه بلوشي للمصريين ، وفتحتم لهم البلاد بالحريات الأربعة ، واليوم تمنون على الشعب (زكاة أموال الثراء الحرام لدعم قفة الملاح … كل ما نبت من حرام فالنار أولى به) يعني قلتوا خاربه خاربه خلونا نعميها … يعني لازم الشعب يتشوي معاكم